من جديد

ليتني درست الهندسة!

| د. سمر الأبيوكي

بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬أستذكر‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الدكتور‭ ‬عيسى‭ ‬الخياط‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬عميدا‭ ‬للقبول‭ ‬والتسجيل‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬وبين‭ ‬والدتي‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمرهما‭! ‬أتذكر‭ ‬الشد‭ ‬والجذب‭ ‬وحالة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬كليهما‭ ‬حيث‭ ‬صمم‭ ‬الدكتور‭ ‬عيسى‭ ‬على‭ ‬قبولي‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬الهندسة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬كوني‭ ‬خريجة‭ ‬“علمي”‭ ‬وصاحبة‭ ‬درجات‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬التخصص،‭ ‬فيما‭ ‬أبت‭ ‬والدتي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أنتظم‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬الإعلام‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب،‭ ‬أخذت‭ ‬مشادتهما‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الأسبوع،‭ ‬الدكتور‭ ‬مصمم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تغيير‭ ‬تخصصي‭ ‬فيما‭ ‬والدتي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬ابنتها‭ ‬مقومات‭ ‬الإعلامي‭ ‬بسبب‭ ‬بروزي‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬المدرسية‭ ‬وكتابة‭ ‬القصص،‭ ‬وانتصرت‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تجلس‭ ‬منذ‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬أمام‭ ‬مكتب‭ ‬العميد‭ ‬لمدة‭ ‬‮٣‬‭ ‬أيام‭ ‬متواصلة‭ ‬حتى‭ ‬يوافق‭ ‬على‭ ‬تحويلي،‭ ‬وقع‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬التحويل‭ ‬وقال‭ ‬لها‭ ‬حرفيا‭ ‬“لا‭ ‬تلومين‭ ‬إلا‭ ‬نفسك‭ ‬بتخربين‭ ‬مستقبل‭ ‬بنتك‭ ‬بإيدك،‭ ‬بنتك‭ ‬خريجة‭ ‬علمي‭ ‬وشاطرة‭ ‬وإنتي‭ ‬بتقطينها‭ ‬في‭ ‬آداب‭!‬”‭.‬

حقيقة‭ ‬جاء‭ ‬الوقت‭ ‬لأعتذر‭ ‬رسميا‭ ‬وفي‭ ‬صفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬لسعادة‭ ‬العميد،‭ ‬اعتذارا‭ ‬بديهيا‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬باختياري‭ ‬لتخصص‭ ‬الإعلام‭ ‬ونبوغي‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬البعض،‭ ‬لكن‭ ‬الاعتذار‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬البعض‭ ‬قبول‭ ‬تخصص‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مجالات‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وقد‭ ‬ذهلت‭ ‬عندما‭ ‬قدمت‭ ‬أوراقي‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬علمية‭ ‬متقدمة‭ ‬وجاء‭ ‬الرد‭ ‬بأنهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬خريجي‭ ‬هندسة‭ ‬وليس‭ ‬إعلام،‭ ‬ليرجع‭ ‬شريط‭ ‬الذكريات‭ ‬أمامي‭ ‬ويذكرني‭ ‬بما‭ ‬مضى‭.‬

ومضة‭: ‬لقد‭ ‬عجبت‭ ‬كثيرا‭ ‬لمن‭ ‬يفصل‭ ‬الإعلام‭ ‬عن‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬فدون‭ ‬الإعلام‭ ‬ستبقى‭ ‬البحوث‭ ‬في‭ ‬الأدراج‭ ‬وستصبح‭ ‬حلقات‭ ‬الوصل‭ ‬مفقودة‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولن‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬علمي‭ ‬ولن‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نشرح‭ ‬لغير‭ ‬المتخصصين‭ ‬عن‭ ‬ماهية‭ ‬تخصصات‭ ‬البعض‭ ‬وفوائدها‭ ‬وأهميتها،‭ ‬لقد‭ ‬بت‭ ‬نادمة‭ ‬حقيقة‭ ‬لعدم‭ ‬التحاقي‭ ‬بكلية‭ ‬الهندسة‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تفهم‭ ‬أهمية‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬نحتاجه‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬علوم‭ ‬الفضاء‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والتقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التخصصات‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بأسره،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬من‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الدكتور‭ ‬الخياط‭ ‬أم‭ ‬والدتي؟‭!.‬