من مشكلات في فهم اللغة إلى “سيدة الامبراطورية الإنجليزية”

| أميرة صليبيخ

في‭ ‬شتاء‭ ‬1908‭ ‬أصيبت‭ ‬فتاة‭ ‬شابة‭ ‬بنزلة‭ ‬برد‭ ‬ألزمتها‭ ‬الفراش،‭ ‬لكن‭ ‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬قضاء‭ ‬أغلب‭ ‬وقتها‭ ‬برفقة‭ ‬الطبيعة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تسلل‭ ‬الملل‭ ‬إلى‭ ‬نفسها،‭ ‬لذلك‭ ‬اقترحت‭ ‬عليها‭ ‬والدتها‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬حتى‭ ‬تنعم‭ ‬بدفء‭ ‬السرير‭ ‬لمدة‭ ‬أطول،‭ ‬وكان‭ ‬الأمر‭ ‬بمثابة‭ ‬تحد‭ ‬لها‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬قصة‭.‬

وأمام‭ ‬ساعات‭ ‬الملل‭ ‬المتربصة‭ ‬بها،‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬حلاً‭ ‬أفضل‭ ‬لتجزية‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬قصتها‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬المجلات‭ ‬نشرها،‭ ‬ومع‭ ‬تشجيع‭ ‬والدتها‭ ‬المستمر،‭ ‬بقيت‭ ‬تلك‭ ‬الشعلة‭ ‬متقدة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬ابنتها،‭ ‬وكتبت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬لاحقا‭ ‬حيث‭ ‬آمنت‭ ‬الأم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أطفالها‭ ‬سيكون‭ ‬لهم‭ ‬شأن‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

وبالفعل،‭ ‬تمكنت‭ ‬تلك‭ ‬الشابة‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬العمر‭ ‬لتنشر‭ ‬روايتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وذاع‭ ‬صيتها‭ ‬وهي‭ ‬تخطو‭ ‬أول‭ ‬خطواتها‭ ‬لتربع‭ ‬عرش‭ ‬الرواية‭ ‬البوليسية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬رواياتها‭ ‬82‭ ‬رواية‭ ‬ترجمت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬لغة‭ ‬وبيع‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬طبعة،‭ ‬ومنحتها‭ ‬الملكة‭ ‬“إليزابيث”‭ ‬أعظم‭ ‬وسام‭ ‬تحوزه‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وهو‭ ‬“سيدة‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الإنجليزية”‭.‬

تلقت‭ ‬أغاثا‭ ‬كريستي‭ ‬تعليمها‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬بإشراف‭ ‬والدتها،‭ ‬وكانت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬وتهجئة‭ ‬الحروف،‭ ‬لكنها‭ ‬تجاوزت‭ ‬تلك‭ ‬الصعوبات‭ ‬بفضل‭ ‬والدتها،‭ ‬وعاشت‭ ‬حياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالسفر‭ ‬والترحال‭ ‬كما‭ ‬ساعدها‭ ‬تطوعها‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬كصيدلانية‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العقاقير‭ ‬والسموم‭ ‬التي‭ ‬وظفتها‭ ‬في‭ ‬رواياتها‭ ‬ومكنتها‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬نهجها‭ ‬الفريد‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬بحث‭ ‬فكرية‭ ‬عن‭ ‬القاتل‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬صفحة‭.‬

أتساءل‭... ‬لو‭ ‬تعاملت‭ ‬والدة‭ ‬أجاثا‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح‭ ‬الشتوي‭ ‬كما‭ ‬تتعامل‭ ‬أغلب‭ ‬الأسر‭ ‬مع‭ ‬أطفالها‭ ‬المرضى،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬ستظهر‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة‭ ‬فيها؟‭.‬