قهوة الصباح

ما تزرعه السياسة يحصده الاقتصاد... لبنان مثالا

| سيد ضياء الموسوي

طرح‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬لبنان‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬ورقة‭ ‬عمل‭ ‬اقتصادية،‭ ‬تتضمن‭ ‬24‭ ‬محورا‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬لبنان‭ ‬منذ‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭. ‬ورقة‭ ‬أجدها‭ ‬رومانسية‭ ‬ولا‭ ‬تعالج‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬خانقة‭ ‬ومتراكمة‭ ‬لسنين‭. ‬الورقة‭ ‬أشبه‭ ‬بهيروين‭ ‬مؤقت‭ ‬لمرض‭ ‬عضال‭. ‬‭ ‬“وكان‭ ‬اللافت‭ ‬في‭ ‬الورقة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موازنة‭ ‬العام‭ ‬2020‭ ‬بلا‭ ‬عجز”،‭ ‬فيما‭ ‬تتحدث‭ ‬مصادر‭ ‬عن‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬البنوك؛‭ ‬لخفض‭ ‬تكلفة‭ ‬الدين‭ ‬العام،‭ ‬ولفرض‭ ‬ضرائب‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬المصارف‭ ‬لمدة‭ ‬عام‭ ‬واحد‭. ‬والسؤال‭ ‬هل‭ ‬المصارف‭ ‬تتحمل‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الضغوط؟

كما‭ ‬تضمنت‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬خصخصة‭ ‬قطاع‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول،‭ ‬والشروع‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬قطاع‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وإقرار‭ ‬مناقصات‭ ‬محطات‭ ‬الغاز،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬ضرائب‭ ‬على‭ ‬المصارف‭ ‬وشركات‭ ‬التأمين‭ ‬25‭ %.‬

‭- ‬أي‭ ‬مناقصة‭ ‬أو‭ ‬اتفاق‭ ‬يتجاوز‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬مطلوب‭ ‬موافقة‭ ‬مسبقة‭ ‬من‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬والتفتيش،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحق‭ ‬للوزير‭ ‬بالموافقة‭ ‬على‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬سنويا‭ ‬والباقي‭ ‬يخضع‭ ‬لموافقة‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تخفيض‭ ‬رواتب‭ ‬المسؤولين‭ ‬والوزراء‭ ‬والنواب‭ ‬والقضاة‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭. ‬إنها‭ ‬خطوة‭ ‬جيدة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬رومانسية‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وتستخف‭ ‬بها‭ ‬الأرقام‭ ‬والظروف‭ ‬وحجم‭ ‬البطالة‭ ‬والعجز‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬والدين‭ ‬العام‭ ‬وموازين‭ ‬القوى‭ ‬بلبنان‭.‬‭ ‬إنه‭ ‬خيال‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ميزانية‭ ‬لبنان‭ ‬لـ‭ ‬2020‭ ‬بلا‭ ‬عجز،‭ ‬فالاقتصاد‭ ‬اللبناني‭ ‬ميت‭ ‬سريريا،‭ ‬وكيف‭ ‬يكون‭ ‬بلا‭ ‬عجز؟‭ ‬هل‭ ‬بعصا‭ ‬سحرية‭ ‬والوضع‭ ‬المالي‭ ‬لا‭ ‬يحل‭ ‬بورقة،‭ ‬والوضع‭ ‬المالي‭ ‬حرج‭ ‬وغير‭ ‬مستقر‭ ‬تماما‭ ‬بسبب‭ ‬المديونية‭ ‬العامة‭ ‬العالية‭ ‬وانخفاض‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وانخفاض‭ ‬الإيرادات‭ ‬الحكومية‭ ‬وزيادة‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬والنفقات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وكذا‭ ‬ارتفاع‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬والحساب‭ ‬الجاري‭ ‬والمقدَّر‭ ‬بنحو‭ ‬13‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬بقرارات‭ ‬متسرعة‭ ‬غير‭ ‬مدروسة‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭.‬

أقول‭: ‬أولا،‭ ‬الإشكالية‭ ‬الكبرى‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬رموز‭ ‬الأحزاب‭ ‬والطوائف‭ ‬والمحاصصة‭ ‬الطائفية،‭ ‬ومنع‭ ‬دخول‭ ‬دماء‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬اللبناني‭ ‬لمطبخ‭ ‬القرار‭. ‬ولبنان‭ ‬يحتاج‭ ‬حكما‭ ‬ليبراليا‭ ‬مفتوحا‭. ‬ثانيا‭: ‬حجم‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬اللبناني‭ ‬لا‭ ‬يعالج‭ ‬برد‭ ‬فعل‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬اللبناني‭ ‬إلى‭ ‬85‭.‬8‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وقدر‭ ‬حجم‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬بـ‭ ‬149‭.‬5‭ % ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أيلول‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭. ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬كارثي‭. ‬

السؤال،‭ ‬هل‭ ‬تخفيض‭ ‬رواتب‭ ‬المسؤولين‭ ‬سيحل‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬الكارثي‭ ‬مع‭ ‬فوائده؟‭ ‬ولو‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬الخطة‭ ‬تمتلك‭ ‬مصباح‭ ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬السحري،‭ ‬فلن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬مليارات،‭ ‬لا‭ ‬تغطي‭ ‬فوائد‭ ‬القروض‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬حاجات‭ ‬الناس‭ ‬الضرورية‭. ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬شيئا‭ ‬أمام‭ ‬شبح‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬لبنان‭ ‬واستحقاقات‭ ‬المعيشة‭ ‬والعقاقير‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الملحة‭ ‬لعلاجه‭. ‬لبنان‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك،‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬تركيب‭ ‬من‭ ‬القمة‭ ‬إلى‭ ‬القاع‭! ‬

مستوى‭ ‬التضخم‭ ‬زاد‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وقد‭ ‬أفاد‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬“فرنسبنك”‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬الألبسة‭ ‬والأحذية‭ ‬سجل‭ ‬النسبة‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬التضخم‭ (‬9.66‭ %)‬،‭ ‬تلاه‭ ‬قطاع‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمشروبات‭ ‬غير‭ ‬الروحية‭ (‬6.18‭ %)‬،‭ ‬ثم‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ (‬5.40‭ %)‬،‭ ‬ثم‭ ‬قطاع‭ ‬الاستجمام‭ ‬والتسلية‭ ‬والثقافة‭ (‬5.26‭ %)‬،‭ ‬ثم‭ ‬قطاع‭ ‬الأثاث‭ ‬والتجهيزات‭ ‬المنزلية‭ (‬5.02‭ %)‬،‭ ‬وأخيرا‭ ‬قطاع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والمحروقات‭ ‬الأخرى‭ (‬4.24‭ %). ‬هناك‭ ‬بعد‭ ‬اجتماعي‭ ‬لابد‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬تراكم‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬الأثقال‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬اللبناني‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬استلاب‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬اللبناني‭. ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬بلبنان‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تشيلي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬هذا‭ ‬وإن‭ ‬معدل‭ ‬التباطؤ‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الانتظام‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬اللبناني‭ ‬علي‭ ‬حسن‭ ‬خليل‭ ‬بأن‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اللبناني‭ ‬يبلغ‭ ‬صفرا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سلبيا،‭ ‬مما‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬احتياطات‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬لدى‭ ‬مصرف‭ ‬لبنان‭ ‬المركزي‭. ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬السؤال‭ ‬هل‭ ‬ورقة‭ ‬الحريري‭ ‬تستطيع‭ ‬إنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه؟‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭. ‬

الاقتصاد‭ ‬قرار‭ ‬وإرادة‭ ‬وإستراتيجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬وإنتاجية‭ ‬وتنوع‭ ‬قطاعات،‭ ‬وتنمية‭ ‬بشرية‭ ‬وشفافية‭ ‬بلا‭ ‬فساد‭ ‬مالي‭ ‬وإداري،‭ ‬ومتابعة‭ ‬بحرفية‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ودراسة‭ ‬جدوى‭ ‬للمشاريع؛‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬فيلة‭ ‬بيضاء‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬سنغافورة‭ ‬واليابان‭ ‬والدول‭ ‬الاسكندنافية،‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إستراتيجية،‭ ‬وليس‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬بسبب‭ ‬مظاهرات‭ ‬وما‭ ‬تزرعه‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬تحصده‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭. ‬2020‭ ‬ستكون‭ ‬سنة‭ ‬اشتعال‭ ‬الحرائق‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وسوء‭ ‬إدارة‭ ‬المال‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬علاج‭ ‬حقيقي‭ ‬وإعادة‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬ثغرات‭ ‬وأخطاء‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭.‬