قهوة الصباح

الخبز الحافي واحتراق الأمل... لبنان مثالا

| سيد ضياء الموسوي

هكذا‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬لعبة‭ ‬الكبار‭ ‬يدفع‭ ‬فاتورتها‭ ‬الصغار‭. ‬ما‭ ‬أقرأه‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬موجات‭ ‬الغضب‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬حكومة‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬أحزاب‭.‬‭ ‬نعم‭ ‬سوء‭ ‬إدارتهم‭ ‬للحكم‭ ‬والبلد‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬الاحتراق‭. ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬أنانية‭ ‬وجشع‭ ‬الأغنياء‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الأمريكي؟‭ ‬الجشع‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬الرهن‭ ‬العقاري،‭ ‬جشع‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬الصفقات‭ ‬ومدراء‭ ‬البنوك‭ ‬في‭ ‬العمولات‭ ‬والربح‭ ‬السريع‭. ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيرلندا‭ ‬والبرتغال‭ ‬واليونان‭. ‬هذه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ذبحات‭ ‬صدرية‭ ‬وبعضها‭ ‬في‭ ‬الكومة‭ ‬كاليونان،‭ ‬والبرتغال‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬المتحرك‭. ‬المواطنون‭ ‬هم‭ ‬ضحايا‭ ‬القطط‭ ‬السمان‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬خطورة‭ ‬اللعب‭ ‬باالاقتصاد‭. ‬تلاعبت‭ ‬الحكومة‭ ‬اليونانية‭ ‬بأرقامها‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬لكي‭ ‬تستوفي‭ ‬شروط‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬حتى‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬‮١‬‭ ‬يناير‭ ‬لعام‭ ‬1981‭. ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬قدمت‭ ‬أرقامًا‭ ‬كاذبة‭ ‬عن‭ ‬أرقام‭ ‬اقتصادها،‭ ‬وعن‭ ‬مستوى‭ ‬النمو‭ ‬والتضخم‭ ‬و‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬الهاوية،‭ ‬ففضحتها‭ ‬الأزمات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬سداد‭ ‬ديونها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الإفلاس‭. ‬السؤال‭: ‬من‭ ‬دفع‭ ‬الفاتورة؟‭ ‬المواطن‭ ‬اليوناني‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‭ ‬بسبب‭ ‬شروط‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬سياسة‭ ‬التقشف‭. ‬أغرى‭ ‬مديرو‭ ‬البنوك‭ ‬الإسبانية‭ ‬المواطن‭ ‬الاسباني‭ ‬بتسهيل‭ ‬القروض‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬هذه‭ ‬البنوك‭ ‬بالإفلاس‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب،‭ ‬منها‭ ‬تسهيل‭ ‬القروض‭ ‬العقارية،‭ ‬وبدأت‭ ‬تظهر‭ ‬ظاهرة‭ (‬بنوك‭ ‬الزومبي‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬المواطن‭ ‬الإسباني‭. ‬وسقط‭ ‬المواطن‭ ‬الإسباني‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬بلا‭ ‬وظائف‭ ‬وبلا‭ ‬مسكن‭. ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬المعارضة‭ (‬الملائكية‭) ‬استحوذت‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬سنين‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬شعارات‭ (‬العدالة‭)‬،‭ ‬وسرقت‭ ‬مليارات‭ ‬الدولة،‭ ‬والعراقي‭ ‬هو‭ ‬الضحية‭. ‬فقد‭ ‬احتل‭ ‬العراق‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬المركز‭ ‬السادس‭ ‬عربيا‭ ‬و13‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬فسادا‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬168‭ ‬دولة،‭ ‬بحسب‭ ‬منظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬الدولية،‭ ‬فإن‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬تجاوزت‭ ‬قيمته‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬نجد‭ ‬أطفالا‭ ‬وكبارا‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬ينبشون‭ ‬في‭ ‬قمامة‭ ‬الشوارع؛‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬طعام‭. ‬هؤلاء‭ ‬الفاسدون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬وعدوا‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬بالجنة‭ ‬الموعودة،‭ ‬وبأنهم‭ ‬سيقودون‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬الأخلاقية‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يسقط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كالفساد‭ ‬المالي‭ ‬والإداري؛‭ ‬لهذا‭ ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬“ع”‭ (‬ما‭ ‬رأيت‭ ‬نعمة‭ ‬موفورة‭ ‬إلا‭ ‬وإلى‭ ‬جانبها‭ ‬حق‭ ‬مضيع،‭ ‬وما‭ ‬جاع‭ ‬فقير‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬متع‭ ‬به‭ ‬غني‭).‬

‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لا‭ ‬للرئيس‭ ‬الحريري‭ ‬ولا‭ ‬الرئيس‭ ‬عون‭ ‬ولا‭ ‬الرئيس‭ ‬بري‭ ‬ولا‭ ‬الأحزاب‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬إنقاذ‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬إلا‭ ‬بجراحات‭ ‬عملية‭ ‬قاسية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بالإنتاجية‭ ‬والتنوع‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬والاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬بإلغاء‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭ ‬وحكومة‭ ‬توكنوقراط‭ ‬وبليبرالية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الأحزاب،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬استبدال‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبوية‭ ‬الجماهيرية‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬مع‭ ‬تغيير‭ ‬كل‭ ‬صناع‭ ‬المطبخ‭ ‬القرار‭ ‬اللبناني‭. ‬يعد‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأكثر‭ ‬استدانة،‭ ‬فحجم‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬اللبناني‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬85‭.‬8‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقدر‭ ‬حجم‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬بـ‭ ‬149‭.‬5‭ % ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أيلول‭ ‬2018‭.‬

مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬العربي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬سيفوق‭ ‬التريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2017،‭ ‬فكيف‭ ‬الآن؟‭ ‬إن‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬الهاوية‭ ‬بسبب‭ ‬القروض،‭ ‬وهذا‭ ‬مؤشر‭ ‬خطير‭ ‬سبب‭ ‬انفجار‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬خصوصًا‭ ‬وأن‭ ‬حجم‭ ‬التضخم‭ ‬بلبنان‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬انتشار‭ ‬ثقافة‭ ‬صناعة‭ ‬دول‭ ‬داخل‭ ‬دولة،‭ ‬فكل‭ ‬حزب‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬فرحون‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يضعف‭ ‬مركزية‭ ‬الدولة‭ ‬وهيبتها‭ ‬هي‭ ‬المحاصصات‭ ‬الطائفية‭ ‬وتضخم‭ ‬الأحزاب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭. ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬طبقة‭ ‬فاسدة‭ ‬ومتحزبة‭ ‬وطائفية،‭ ‬فكيف‭ ‬ستسلم‭ ‬الأمور؟‭ ‬

ختاما،‭ ‬أقول‭: ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬شهدنا‭ ‬الفترات‭ ‬القادمة‭ ‬اندلاع‭ ‬مظاهرات‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كإيطاليا؛‭ ‬لأنها‭ ‬مرشحة‭ ‬لجلطات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وحتى‭ ‬بريطانيا‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬اليونان‭ ‬والبرتغال‭. ‬وما‭ ‬فرنسا‭ ‬إلا‭ ‬بداية‭ ‬السلسلة‭.‬