ستة على ستة

جائزة نوبل... هل من إعادة نظر

| عطا السيد الشعراوي

أن‭ ‬يسجل‭ ‬اسمك‭ ‬ضمن‭ ‬الفائزين‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬أمر‭ ‬جدير‭ ‬بالفخر‭ ‬والاعتزاز،‭ ‬بل‭ ‬يستحق‭ ‬السعي‭ ‬والاجتهاد‭ ‬لتنال‭ ‬هذا‭ ‬الشرف‭ ‬الرفيع‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬ثرية‭ ‬لأصحاب‭ ‬الإسهامات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الفنون‭ ‬المعرفية‭ ‬والعملية،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬تطال‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬انتقادات‭ ‬موضوعية‭ ‬واتهامات‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ومعايير‭ ‬حقيقية‭ ‬ومبررات‭ ‬واقعية،‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬يضر‭ ‬ويسيء‭ ‬لهذه‭ ‬القائمة‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬ناصعة،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬صامتين‭ ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬ثوبها‭ ‬“النقي”‭ ‬يتطلخ‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭.‬

وفي‭ ‬مثال‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الثغرات،‭ ‬تم‭ ‬منح‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬لعام‭ ‬2019‭ ‬م‭ ‬للكاتب‭ ‬والشاعر‭ ‬النمساوي‭ ‬بيتر‭ ‬هاندكه،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬معروف‭ ‬بدعمه‭ ‬نظام‭ ‬الرئيس‭ ‬اليوغوسلافي‭ ‬والصربي‭ ‬الراحل‭ ‬سلوبودان‭ ‬ميلوشيفيتش،‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1997‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬2000‭ ‬والمسؤول‭ ‬عن‭ ‬المجازر‭ ‬الوحشية‭ ‬والجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬الجبين‭ ‬بحق‭ ‬المسلمين‭.‬

هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والاستياء‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬البلقان،‭ ‬حيث‭ ‬احتشد‭ ‬متظاهرون‭ ‬أمام‭ ‬السفارة‭ ‬السويدية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بريشتينا،‭ ‬عاصمة‭ ‬كوسوفو،‭ ‬للاحتجاج‭ ‬ضد‭ ‬منح‭ ‬الجائزة‭ ‬لهاندكه،‭ ‬وحثت‭ ‬منظمة‭ ‬“أمهات‭ ‬سربرنيتشا”‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬تمثل‭ ‬ضحايا‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬البوسنية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السويدية‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬قرارها،‭ ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬النمساوية‭ ‬والألمانية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هاندكه‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬الرفيعة‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬دافعت‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السويدية‭ ‬عن‭ ‬قرارها،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقصد‭ ‬منح‭ ‬الجائزة‭ ‬لأحد‭ ‬دعاة‭ ‬الحروب‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬منكري‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وأنها‭  ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬أي‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هاندكه‭ ‬أشاد‭ ‬بسفك‭ ‬الدماء‭ ‬أو‭ ‬أنكر‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬عندما‭ ‬حضر‭ ‬جنازة‭ ‬سلوبودان‭ ‬ميلوسيفيتش‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006‭.‬

آثرت‭ ‬مثالا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الانتقادات‭ ‬التي‭ ‬توجه‭ ‬للجائزة‭ ‬لا‭ ‬تخصنا‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬عامة‭ ‬تؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬معايير‭ ‬منح‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬بمختلف‭ ‬فروعها،‭ ‬وتمثيل‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬والحضارات‭ ‬بالجهات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تظل‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬تختار‭ ‬اشخاصا‭ ‬غير‭ ‬جديرين‭ ‬بها‭.‬