لمحات

“جوكر”

| د.علي الصايغ

اللغط‭ ‬الكبير،‭ ‬وردود‭ ‬الأفعال‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬إيجابية‭ ‬إلى‭ ‬سلبية،‭ ‬والإطراءات‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬أحياناً،‭ ‬تجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬المتباين‭ ‬مع‭ ‬فيلم‭ ‬“جوكر”،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شجعني‭ ‬حقيقة‭ ‬إلى‭ ‬مشاهدة‭ ‬الفيلم،‭ ‬رغبة‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬المضطرب،‭ ‬وهو‭ ‬تفاعل‭ ‬قل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬فيلم‭ ‬بحد‭ ‬ذاته؛‭ ‬إذ‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة‭ ‬جداً‭ ‬لفيلم‭ ‬يحدث‭ ‬ضجة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬وليس‭ ‬ضجيجاً‭ ‬متبايناً‭ ‬كهذا‭!‬

قد‭ ‬حصد‭ ‬فيلم‭ ‬“جوكر”‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وحدها‭ ‬أربعين‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬تقريباً‭ ‬في‭ ‬يوم،‭ ‬وفقاً‭ ‬لوكالات‭ ‬أنباء،‭ ‬ويعد‭ ‬ذلك‭ ‬رقماً‭ ‬كبيراً‭ ‬جداً،‭ ‬ويتضمن‭ ‬الفيلم‭ ‬معاني‭ ‬مجتمعية‭ ‬وسلوكية‭ ‬عميقة،‭ ‬لكنه‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬المأساوية،‭ ‬والإجرام،‭ ‬والفوضى،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬بقصته‭ ‬وأحداثه‭ ‬وتجاوزاته‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬رقابة‭ ‬للمصنفات‭ ‬المرئية‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية؛‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يؤسس‭ ‬لردود‭ ‬أفعال‭ ‬قاسية‭ ‬وإجرامية‭ ‬مرضية،‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬إليه‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬قهرية‭ ‬تؤول‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬عادي‭ ‬وطبيعي،‭ ‬يمتهن‭ ‬مهنة‭ ‬التهريج،‭ ‬إلى‭ ‬مريض‭ ‬نفسي‭ ‬خطير،‭ ‬يقوده‭ ‬مرضه‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ومنهم‭ ‬والدته،‭ ‬ومقدم‭ ‬البرامج‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬دوره‭ ‬النجم‭ ‬“روبرت‭ ‬دي‭ ‬نيرو”‭!‬

ورغم‭ ‬ما‭ ‬يمتلئ‭ ‬به‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬إجرام‭ ‬ومأساوية،‭ ‬ورغم‭ ‬السيناريو‭ ‬العادي‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬وصراعات‭ ‬فجائية‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬تمهيد‭ ‬مسبق‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان،‭ ‬ومبالغات‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬غير‭ ‬كفيل‭ ‬بقمع‭ ‬مجرم‭ ‬واحد،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عدم‭ ‬واقعية‭ ‬بعض‭ ‬الأحداث،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬امتاز‭ ‬به‭ ‬الفيلم،‭ ‬وجعل‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬الكبير‭ ‬عند‭ ‬المتلقي،‭ ‬كالضغوط‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬إليها‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬المنطقية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬إنساناً‭ ‬آخر،‭ ‬والرمزية‭ ‬فائقة‭ ‬الدلالات‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬فرد‭ ‬عادي‭ ‬يمتهن‭ ‬التهريج،‭ ‬مشهورا‭ ‬يتعاطف‭ ‬معه‭ ‬الناس،‭ ‬وينتفضون‭ ‬بتقليده‭!‬

“جوكر”‭ ‬فيلم‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مهرجانات‭ ‬قبل‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬السينمائية،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الأسد‭ ‬الذهبي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬البندقية‭ ‬السينمائي،‭ ‬وأؤيد‭ ‬أن‭ ‬ينافس‭ ‬بطله‭ (‬خواكين‭ ‬فينيكس‭) ‬على‭ ‬أوسكار‭ ‬أفضل‭ ‬ممثل‭ ‬للعام‭ (‬2019‭)‬؛‭ ‬لتحضيره‭ ‬الكبير‭ ‬استعداداً‭ ‬لخوض‭ ‬تجربة‭ ‬التمثيل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬وقدرته‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬تجسيد‭ ‬شخصية‭ ‬معقدة،‭ ‬مريضة،‭ ‬تمر‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬والتحولات‭ ‬في‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬تقريباً،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬الفيلم،‭ ‬لا‭ ‬ينصح‭ ‬بأن‭ ‬يشاهده‭ ‬الأطفال‭ ‬أبداً،‭ ‬ولا‭ ‬أصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬الضعيفة،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بيدي‭ ‬القرار‭ ‬لقمت‭ ‬بوضع‭ ‬ضوابط‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬العمر‭ ‬لمن‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬لهم‭ ‬بمشاهدة‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭.‬