سوالف

“البلاد” أمر غير عادي ككل شيء في حياتي

| أسامة الماجد

عند‭ ‬سؤال‭ ‬والدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭.. ‬لو‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬رسالة‭ ‬قصيرة‭ ‬للصحافة‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬من‭ ‬عمرك،‭ ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة؟‭ ‬أجاب‭ ‬“أقول‭ ‬لها‭.. ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬محرابك‭ ‬وعيناي‭ ‬ستة‭ ‬على‭ ‬ستة،‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬محرابك‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أكاد‭ ‬أقرأ‭ ‬إلا‭ ‬بنظارة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬مازلت‭ ‬أحبك‭ ‬ومازلت‭ ‬مرتميا‭ ‬على‭ ‬أعتابك”‭.‬

كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬أمتع‭ ‬لحظات‭ ‬حياتي‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬أقضيها‭ ‬في‭ ‬جريدتنا‭ ‬“البلاد”‭ ‬التي‭ ‬أطفأت‭ ‬بتاريخ‭ ‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬شمعتها‭ ‬الـ‭ ‬11‭ ‬وهي‭ ‬محاطة‭ ‬بعبير‭ ‬النرجس‭ ‬والمشموم‭ ‬والياسمين،‭ ‬والإبداع‭ ‬والتميز‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بريق‭ ‬عينيها‭... ‬في‭ ‬إشراقة‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2008‭ ‬ولدت‭ ‬“البلاد”‭ ‬وكانت‭ ‬حدثا‭ ‬جديدا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية،‭ ‬وحين‭ ‬أقول‭ ‬البحرينية‭ ‬فإني‭ ‬أعني‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬اهتمت‭ ‬بالإخراج‭ ‬الفني‭ ‬وإعطاء‭ ‬مساحة‭ ‬للصور‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬القارئ‭ ‬يشعر‭ ‬بالفرق‭ ‬ودائم‭ ‬الشغف‭ ‬لمتابعة‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬فيها‭.‬

كان‭ ‬التحاقي‭ ‬بـ‭ ‬“البلاد”‭ ‬أمرا‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬ككل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬حملت‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬عاتقي‭ ‬نحو‭ ‬القراء‭ ‬ونشرت‭ ‬النور‭ ‬والورود‭ ‬في‭ ‬طريقهم‭ ‬بدل‭ ‬تعويدهم‭ ‬الحزن‭ ‬الذي‭ ‬يتقاطر‭ ‬من‭ ‬الكلمات،‭ ‬عشقت‭ ‬ألوانها‭ ‬وكان‭ ‬حضوري‭ ‬اليومي‭ ‬مثل‭ ‬الحضور‭ ‬الصوفي،‭ ‬وأردت‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬فريق‭ ‬التحرير‭ ‬أن‭ ‬أرفع‭ ‬رأس‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬بجعل‭ ‬“البلاد”‭ ‬مثل‭ ‬زهرة‭ ‬اللوتس‭ ‬وسيدة‭ ‬الغصون‭ ‬الخضراء،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬القصير‭ ‬مقارنة‭ ‬ببقية‭ ‬الصحف‭ ‬الزميلة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬“البلاد”‭ ‬تربعت‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬التميز‭ ‬والنجاح،‭ ‬تسلقت‭ ‬أهدابها‭ ‬منذ‭ ‬يومها‭ ‬الأول‭ ‬وتحولت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬لؤلؤة‭ ‬في‭ ‬الأعماق‭ ‬ومحارة‭ ‬عامرة‭ ‬بالفرح‭.‬

لم‭ ‬يبق‭ ‬في‭ ‬دفاتري‭ ‬العتيقة‭ ‬والحديثة‭ ‬سوى‭ ‬عشق‭ ‬“البلاد”‭ ‬والعيش‭ ‬تحت‭ ‬سمائها‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬العمر،‭ ‬فقد‭ ‬زحفت‭ ‬الأمراض‭ ‬إلى‭ ‬مزارعي‭ ‬بفعل‭ ‬أمطار‭ ‬الصحافة‭ ‬وهمومها،‭ ‬فبعد‭ ‬مرض‭ ‬“ضغط‭ ‬الدم”‭ ‬ذبلت‭ ‬عيناي‭ ‬بسبب‭ ‬“الماء‭ ‬الأبيض”‭ ‬فبالكاد‭ ‬أستطيع‭ ‬القراءة‭ ‬ورؤية‭ ‬الأشياء،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭.. ‬فهذان‭ ‬المرضان‭ ‬من‭ ‬كنوز‭ ‬أفراحي،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬العاشق‭ ‬بين‭ ‬أحضان‭ ‬حبيبته‭.‬