خرساء العراق

| بدور عدنان

تصدر‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬قصير‭ ‬لامرأة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬وهي‭ ‬تهرول‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لتسحب‭ ‬من‭ ‬علبة‭ ‬محارم‭ ‬ورقية‭ ‬تحملها‭ ‬في‭ ‬يدها‭ ‬وتعطيها‭ ‬المتظاهرين‭ ‬لكي‭ ‬يكمموا‭ ‬بها‭ ‬أنوفهم‭ ‬وأفواههم‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يستنشقوا‭ ‬مسيلات‭ ‬الدموع‭. ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬خرساء‭ ‬واعتادت‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬ببيع‭ ‬المحارم‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق‭ ‬لعلها‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تسد‭ ‬جوعها‭ ‬حالها‭ ‬كحال‭ ‬الذين‭ ‬فتك‭ ‬بهم‭ ‬الجوع‭ ‬والفقر‭.‬

هذه‭ ‬المرأة‭ ‬الخرساء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اشتد‭ ‬الوضع‭ ‬بأساً‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تتظاهر‭ ‬وتصرخ‭ ‬بطريقتها،‭ ‬حيث‭ ‬خرج‭ ‬العراقيون‭ ‬منتصف‭ ‬الأسبوع‭ ‬في‭ ‬تظاهرة‭ ‬تعد‭ ‬الأكبر‭ ‬منذ‭ ‬تعيين‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬برئاسة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬عادل‭ ‬عبدالمهدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الكثيرون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬سيضع‭ ‬حداً‭ ‬للتغلغل‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

التظاهرات‭ ‬العراقية‭ ‬الغاضبة‭ ‬من‭ ‬ازدياد‭ ‬البطالة‭ ‬ونقص‭ ‬الخدمات‭ ‬وتردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬قوبلت‭ ‬بعنف‭ ‬كبير،‭ ‬وتقدمت‭ ‬صفوفها‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬سلميتها‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬استشهاد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬أشخاص‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭.‬

العراقيون‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬قرروا‭ ‬أن‭ ‬يخرجوا‭ ‬للتظاهر‭ ‬دون‭ ‬غطاء‭ ‬حزبي‭ ‬أو‭ ‬طائفي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عشائري‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬السمة‭ ‬الأبرز‭ ‬للاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التظاهرات‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬صبغة‭ ‬سياسية‭ ‬تحركها‭ ‬أجندات‭ ‬المصلحة‭ ‬لمختلف‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومعيشية‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬تهدف‭ ‬لتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬المتردية‭ ‬وقطع‭ ‬أذرع‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬يستحقها‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬عراقي‭.‬

يذهب‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إقالة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالي‭ ‬هي‭ ‬الحل،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬حاله‭ ‬منذ‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬وتداول‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬ذات‭ ‬المرجعيات‭ ‬الدينية‭. ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬مدنية‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬تكنوقراط‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بالكثير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬المعممون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

سمع‭ ‬العالم‭ ‬بأجمعه‭ ‬صرخات‭ ‬خرساء‭ ‬العراق‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬صوت‭ ‬العقلاء‭ ‬من‭ ‬الوسطيين‭ ‬الوطنيين‭ ‬المخلصين‭ ‬للعراق‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يأتمرون‭ ‬بأمر‭ ‬طهران‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المرجعيات‭.‬