قصة “عزل” الرئيس ترامب (1)

| سالم الكتبي

بالورقة‭ ‬والقلم،‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عزل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المعطيات‭ ‬الإحصائية‭ ‬الخاصة‭ ‬بتركيبة‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأميركي‭ ‬تحديداً،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬“العقبة”‭ ‬لا‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتوابع‭ ‬التحقيقات‭ ‬التي‭ ‬يجريها‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬الذين‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مساءلة‭ ‬ترامب‭ ‬بهدف‭ ‬عزله‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬اتهامات‭ ‬بسوء‭ ‬استخدام‭ ‬سلطاته،‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬يستوجب‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬وخلفياته،‭ ‬كونه‭ ‬يخص‭ ‬رئيس‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والقطب‭ ‬الكوني‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬الدولي‭.‬

جوهر‭ ‬الاتهامات‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاشتباه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬حاول‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬نظيره‭ ‬الأوكراني،‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬لإجراء‭ ‬تحقيق‭ ‬بشأن‭ ‬منافسه‭ ‬المحتمل‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬ترامب‭ ‬إن‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬نائبا‭ ‬للرئيس‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬ضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقالة‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬الأوكراني‭ ‬فيكتور‭ ‬شوكين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬لحماية‭ ‬شركة‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬ابنه‭ ‬هانتر‭ ‬بايدن‭.‬

وسيتم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬المكالمة‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬أصر‭ ‬زيلينسكي‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬ألقاه‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ترامب‭ ‬مسبقا،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬“يُضغط‭ ‬عليه”‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ترامب‭ ‬خلال‭ ‬الاتصال‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬بينهما‭.‬

في‭ ‬البداية‭ ‬وصف‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬إجراءات‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬بالتحقيق‭ ‬معه‭ ‬بأنها‭ ‬بمثابة‭ ‬“مزحة”،‭ ‬وأشار‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأسباب‭ ‬المقدمة‭ ‬ضده‭ ‬“محزنة”‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬“خدعة”،‭ ‬وقال‭ ‬متعجبا‭ ‬“عندما‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات،‭ ‬إنها‭ ‬مزحة‭. ‬عزل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب؟”،‭ ‬لكنه‭ ‬عاد‭ ‬في‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬نشر‭ ‬عبر‭ ‬موقع‭ ‬“تويتر”،‭ ‬ليحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬يحاولون‭ ‬“سلب‭ ‬حريات‭ ‬أساسية”،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬يستهدفونه‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬“يكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الأميركيين”‭.‬

الواقع‭ ‬يؤكد‭ ‬تماماً‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تسفر‭ ‬تحقيقات‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأميركي‭ ‬عن‭ ‬الإطاحة‭ ‬بترامب‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬دعم‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬حيث‭ ‬سيتم‭ ‬عرقلتها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الجمهوريون‭.‬

الديمقراطيون‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تدارسوا‭ ‬احتمالات‭ ‬تمرير‭ ‬إجراءات‭ ‬العزل،‭ ‬ويدركون‭ ‬جيداً‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬الكونجرس‭ ‬بمجلسيه،‭ ‬ولن‭ ‬تنتهي‭ ‬بعزل‭ ‬الرئيس،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تنتهي‭ ‬إلى‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬سياسته‭ ‬وتشويه‭ ‬صورته‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬“بطة‭ ‬عرجاء”‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى،‭ ‬فالديمقراطيون‭ ‬الذين‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬مزاعم‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأميركية‭ ‬لصالح‭ ‬ترامب‭ ‬ضد‭ ‬منافسته‭ ‬آنذاك‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون،‭ ‬يحملون‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ملفاً‭ ‬مختلفاً‭ ‬ووقائع‭ ‬جديدة،‭ ‬يزعم‭ ‬فيها‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬استخدم‭ ‬صلاحيات‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بهدف‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬تضر‭ ‬بمنافسه‭ ‬السياسي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬وهو‭ ‬المرشح‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬للعام‭ ‬المقبل،‭ ‬وسيكون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬معركة‭ ‬“كسر‭ ‬عظام”‭ ‬مبكرة‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬السباق‭ ‬الانتخابي‭ ‬الرئاسي‭ ‬الأميركي‭. ‬“إيلاف”‭.‬