وَخْـزَةُ حُب

قد تكون خياطا!

| د. زهرة حرم

هو‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يخيط‭ ‬لنا‭ ‬الأثواب‭ ‬والفساتين،‭ ‬يزيد‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬ينقص؛‭ ‬وفق‭ ‬قياسات‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دقيقة،‭ ‬بالمتر‭ ‬أو‭ ‬بالسنتيمتر،‭ ‬وعلى‭ (‬موديل‭) ‬معين،‭ ‬نقضي‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬لاختياره،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬مناسبته‭ ‬لنا،‭ ‬ومن‭ ‬مواكبته‭ ‬الموضة‭ ‬السائدة‭ ‬–‭ ‬غالبًا‭ ‬–‭ ‬وقد‭ ‬يقلب‭ ‬بعضنا‭ ‬الدنيا‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب؛‭ ‬إذا‭ ‬وقع‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬القياس،‭ ‬أو‭ ‬الإخراج‭ ‬والشكل‭ ‬النهائي،‭ ‬ويطالبه‭ ‬بتعويض‭! ‬وقد‭ ‬نهري‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬هريًا؛‭ ‬أي‭ ‬نتعبه‭ ‬ونشق‭ ‬عليه،‭ ‬فقط؛‭ ‬للتأكد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الشك‭ ‬أنه‭ ‬متوافق‭ ‬مع‭ ‬“كيف‭ ‬كيفنا”‭!‬

ذلكم‭ ‬كما‭ ‬تعرفونه‭ ‬جيدًا؛‭ ‬الخياط؛‭ ‬صاحب‭ ‬الخيط‭ ‬والإبرة،‭ ‬الذي‭ ‬يتحرك‭ ‬حسب‭ ‬أمزجتنا،‭ ‬كما‭ ‬نريد‭ ‬ونرغب؛‭ ‬لنحصل‭ ‬على‭ ‬النتيجة‭ ‬المطلوبة‭ ‬سلفًا،‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬لمفاجآت‭ ‬ما،‭ ‬حيث‭ ‬تحكم‭ ‬الموضوع‭ ‬قاعدة‭: ‬كن؛‭ ‬فيكون‭! ‬أليس‭ ‬كذلك؟‭! ‬كلنا‭ ‬نعرف‭ ‬هذا‭ ‬ولا‭ ‬غرابة‭! ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المجتمعات‭ ‬مليئة‭ ‬بخياطين‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لهم،‭ ‬وبكثير‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تُحكِم‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الخياطين؛‭ ‬فلا‭ ‬يشطون،‭ ‬أو‭ ‬يبعُدون‭ ‬عن‭ ‬الطلب‭! ‬تعالوا‭ ‬–‭ ‬معًا‭ ‬–‭ ‬نستعرض‭ ‬بعضًا‭ ‬منهم،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر؛‭ ‬فلا‭ ‬قدرة‭ ‬لنا‭ ‬على‭ ‬استيعابهم‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬قصير‭!‬

لنبدأ‭ ‬بالوظائف‭ ‬والمهام‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬والعمل‭: ‬فأنت‭ ‬أيتها‭ ‬الزوجة‭ ‬خياطة؛‭ ‬إذا‭ ‬سمحتِ‭ ‬بتغييب‭ ‬شخصيتك؛‭ ‬لتتكيّف‭ ‬مع‭ ‬مزاج‭ ‬الزوج،‭ ‬والعكس‭! ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬الابن‭ ‬خياط؛‭ ‬إذا‭ ‬سمحت‭ ‬لوالديك‭ ‬باختيار‭ ‬مسار‭ ‬ما؛‭ ‬لا‭ ‬تقنع‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬تريده‭! ‬أنت‭ ‬أيتها‭ ‬المعلمة‭ ‬خياطة؛‭ ‬إذا‭ ‬جَمّدكِ‭ ‬منهج‭ ‬دراسي،‭ ‬لا‭ ‬تشطين‭ ‬عنه‭ ‬حرفًا‭! ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬الطبيب‭ ‬خياط؛‭ ‬إذا‭ ‬أملى‭ ‬عليك‭ ‬مريضك‭ ‬وصفته‭ ‬الطبية‭ ‬وأدويته؛‭ ‬فصرفتها‭ ‬له؛‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يشتري‭ ‬من‭ (‬برادة‭)! ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬المحامي‭ ‬خياط؛‭ ‬إذا‭ ‬داهنت‭ ‬وراوغت؛‭ ‬لتكسب‭ ‬قضايا‭ ‬مُوكليك‭ ‬وجيوبهم‭! ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬المستشار‭ ‬خياط؛‭ ‬إذا‭ ‬غلّبت‭ ‬هوى‭ ‬مسؤولك‭ ‬على‭ ‬النصح‭ ‬والرأي‭ ‬الحكيم‭!‬

فكم‭ ‬من‭ ‬خياط‭ ‬وخياط‭ ‬لدينا؟‭! ‬غير‭ ‬أن‭ (‬الخياطة‭) ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬تبعاتها‭ ‬وآثارها‭ ‬الخياط‭ ‬وحده؛‭ ‬فالمُخيَّط‭ ‬له‭ (‬صاحب‭ ‬الأوردر‭) ‬ضالع‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭! ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬طلبه‭ ‬زائدًا‭ ‬عن‭ ‬الحد،‭ ‬أو‭ ‬المقاس‭! ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬شرعي،‭ ‬أو‭ ‬قانوني،‭ ‬أو‭ ‬أخلاقي،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬غير‭ ‬إنساني‭! ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬المعطيات‭ ‬الموجودة،‭ ‬والإمكانيات‭ ‬الحاضرة،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك؛‭ ‬قد‭ ‬يصر‭ ‬عليه‭ ‬ويبالغ‭ ‬في‭ ‬الإلحاح‭ ‬والطلب‭! ‬إن‭ ‬أية‭ ‬استجابة‭ ‬لهؤلاء؛‭ ‬تجعلنا‭ ‬خياطين‭ ‬بامتياز‭ ‬شديد‭! ‬وما‭ ‬أندر‭ ‬الخياطين‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬الطلب؛‭ ‬إذا‭ ‬تقدمت‭ ‬مصالحهم،‭ ‬أو‭ ‬شمّر‭ ‬المال‭ ‬عن‭ ‬سواعده‭!‬

الغالبية‭ ‬منا‭ (‬خيّطت‭)‬؛‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ (‬تخيط‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬انتعشت‭ (‬الخياطة‭) ‬وحلّت‭ ‬الماكينات‭ ‬مكان‭ ‬الإبرة‭ ‬البسيطة،‭ ‬التي‭ ‬ضاعت‭ ‬وسط‭ ‬زحمة‭ ‬الطلب،‭ ‬ووسط‭ ‬فوضى‭ (‬الخياطة‭ ‬الخلاقة‭) ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬ومكان‭!.‬