ريشة في الهواء

حتى لا ننتج مشكلة ونحن نعالج مشكلة!

| أحمد جمعة

استمعت‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬لشكوى‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬التجار،‭ ‬يئنُ‭ ‬بمرارة‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الرسوم‭ ‬والالتزامات‭ ‬والإيجارات،‭ ‬تكاد‭ ‬توازي‭ ‬شكوى‭ ‬مستهلك‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬الطارئة‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬خارج‭ ‬الميزانية‭ ‬الروتينية،‭ ‬كالأعياد‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬شكوى‭ ‬التجار‭ ‬بجانب‭ ‬شكوى‭ ‬المستهلك،‭ ‬تشكلان‭ ‬كفتي‭ ‬ميزان‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬دراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬الوضع‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الطروحات‭ ‬والقوالب‭ ‬الجاهزة‭ ‬التي‭ ‬تسوقها‭ ‬هيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وغيرها،‭ ‬فالواقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬غير‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬الذي‭ ‬تطالعنا‭ ‬به‭ ‬المؤتمرات‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬عادة‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬استشارية‭ ‬جامدة‭ ‬لم‭ ‬تنزل‭ ‬للسوق‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬ولم‭ ‬تحتك‭ ‬بالمستهلك،‭ ‬فهناك‭ ‬محلات‭ ‬تجارية‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬زبائن‭ ‬لتغطية‭ ‬تكلفة‭ ‬تشغيل‭ ‬هذه‭ ‬المحلات،‭ ‬لضعف‭ ‬السيولة‭ ‬لدى‭ ‬الزبون،‭ ‬وهذه‭ ‬معادلة‭ ‬معروفة‭ ‬عالمياً‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬وتعالجها‭ ‬بتخفيف‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الطرفين‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬ترامب‭ ‬وماكرون،‭ ‬بتخفيض‭ ‬الضرائب‭ ‬وتنشيط‭ ‬الحركة‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية،‭ ‬بحقن‭ ‬منشطة‭.‬

لا‭ ‬حرج‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬السوق‭ ‬يعاني،‭ ‬والمستهلك‭ ‬يعاني،‭ ‬ولا‭ ‬ضيق‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بضرورة‭ ‬البحث‭ ‬والتقصي‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬بذات‭ ‬الوقت‭ ‬نحفظ‭ ‬عملية‭ ‬التوازن‭ ‬المالي‭ ‬المطروحة،‭ ‬لأن‭ ‬سد‭ ‬الآذان‭ ‬وإغماض‭ ‬العين‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬مشكلة‭ ‬بالسوق‭ ‬لا‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الوضع‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬سار‭ ‬موضوع‭ ‬التوازن‭ ‬المالي‭ ‬بالاتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬وحقق‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬ملحوظة،‭ ‬فهناك‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬رؤيتها‭ ‬لتكون‭ ‬الرؤية‭ ‬شاملة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬مثل‭ ‬المريض‭ ‬الذي‭ ‬يعالج‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬بالمعدة‭ ‬فينتج‭ ‬عنه‭ ‬مرض‭ ‬بالرأس،‭ ‬وكأننا‭ ‬لم‭ ‬نفعل‭ ‬شيئا‭ ‬أو‭ ‬فعلنا‭ ‬الأسوأ‭.‬

لست‭ ‬مُحْرجا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأني‭ ‬لست‭ ‬خبيراً‭ ‬مالياً‭ ‬ولا‭ ‬محللاً‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬لكنني‭ ‬مطلع‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬ومتابع‭ ‬لمعاناة‭ ‬تجار‭ ‬ومستهلكين‭ ‬يئنون‭ ‬بالشكوى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بمختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬والقنوات،‭ ‬ومن‭ ‬الواجب‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الشكاوى‭ ‬ودراستها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬ووزارة‭ ‬التجارة‭ ‬وغرفة‭ ‬التجارة،‭ ‬وطبعاً‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لقسم‭ ‬حماية‭ ‬المستهلك‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭! ‬فهذه‭ ‬الشكاوى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬المجتمع‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬بدقة‭ ‬واهتمام‭ ‬وإلا،‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬مشكلة‭ ‬وإنتاج‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى‭ ‬وهذا‭ ‬حال‭ ‬الوضع‭ ‬الآن،‭ ‬فكثرة‭ ‬الرسوم‭ ‬والضرائب‭ ‬تخفض‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ولنتذكر‭ ‬مريض‭ ‬المعدة‭ ‬والرأس‭ ‬حين‭ ‬نعالج‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭.‬

 

تنويرة‭:

‬لا‭ ‬يكون‭ ‬التصفيق‭ ‬الجماعي‭ ‬دائماً‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬التأييد‭!.‬