زبدة القول

حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس

| د. بثينة خليفة قاسم

على‭ ‬مدار‭ ‬شهر‭ ‬مضى‭ ‬تعرضت‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬لحرب‭ ‬حقيقية،‭ ‬حرب‭ ‬تستهدف‭ ‬وجود‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬وتستهدف‭ ‬بعدها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬إنها‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬إحدى‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الشائعات‭ ‬والأخبار‭ ‬المفبركة‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬وتستهدف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ضرب‭ ‬وعي‭ ‬الشعوب‭ ‬وجرها‭ ‬نحو‭ ‬التهلكة‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬إطلاق‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬الوهمية‭ ‬على‭ ‬تويتر‭ ‬وفيسبوك،‭ ‬وشاركت‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬شرس‭ ‬ومتزامن‭ ‬يستهدف‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬ويقوم‭ ‬بتشكيكه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬أولها‭ ‬وأهمها‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬ولم‭ ‬تنهر‭ ‬كما‭ ‬انهارت‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭!‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬هو‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وأنه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬حمى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬الدوامة‭ ‬الجهنمية‭ ‬التي‭ ‬سقط‭ ‬فيها‭ ‬غيرها،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬يثقون‭ ‬في‭ ‬جيشهم‭ ‬ثقة‭ ‬عمياء،‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬لصناع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬يعملوا‭ ‬جاهدين‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬ثقة‭ ‬المصريين‭ ‬في‭ ‬جيشهم‭. ‬

وقد‭ ‬استغل‭ ‬هؤلاء‭ ‬شابا‭ ‬مصريا‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬مظهره‭ ‬وحديثه‭ ‬أنه‭ ‬مدمن‭ ‬مخدرات،‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬كان‭ ‬مقاولا‭ ‬يأخذ‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬ويقوم‭ ‬بتنفيذها،‭ ‬لكنه‭ ‬فجأة‭ ‬انقلب‭ ‬عليها‭ ‬وهرب‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬زاعما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬حقوقه‭ ‬وأنه‭ ‬يطالب‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بمئات‭ ‬الملايين،‭ ‬وقام‭ ‬ببث‭ ‬فيديوهات‭ ‬تسيء‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭ ‬ورئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ويتلفظ‭ ‬بألفاظ‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الانحطاط‭ ‬وسوء‭ ‬الأدب‭. ‬تلقف‭ ‬الإعلام‭ ‬القطري‭ ‬والتركي‭ ‬المعادي‭ ‬لمصر‭ ‬هذا‭ ‬الصيد‭ ‬الثمين‭ ‬وصنعوا‭ ‬له‭ ‬الهاشتاغات‭ ‬واستخدموا‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬الوهمية‭ ‬التي‭ ‬تؤيد‭ ‬كلامه‭ ‬وحرضوا‭ ‬معه‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬التظاهر‭ ‬ضد‭ ‬الجيش‭ ‬والرئيس‭ ‬وأطلقوا‭ ‬سيلا‭ ‬من‭ ‬الشائعات‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أنه‭ ‬حدث‭ ‬انشقاق‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬وأن‭ ‬الجيش‭ ‬اتخذ‭ ‬قراره‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عشرات‭ ‬الشائعات‭ ‬الأخرى‭ ‬وحددوا‭ ‬موعدا‭ ‬لمظاهرات‭ ‬يوم‭ ‬الخلاص‭ ‬مرة‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬‮٢٧‬‭ ‬سبتمبر‭ ‬ومرة‭ ‬كانت‭ ‬قبلها‭ ‬في‭ ‬‮٢٠‬‭ ‬سبتمبر‭.‬

في‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬أعداد‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تذكر،‭ ‬فاضطر‭ ‬الإعلام‭ ‬القطري‭ ‬والتركي‭ ‬إلى‭ ‬فبركة‭ ‬صور‭ ‬لمظاهرات‭ ‬وهمية‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬والجيش،‭ ‬وفي‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬خرجت‭ ‬مظاهرات‭ ‬بالفعل،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬مظاهرات‭ ‬تأييد‭ ‬للرئيس،‭ ‬احتفالا‭ ‬بوصوله‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭ ‬والكذب‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬أشده‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬الجزيرة‭.‬