المنطقة الرمادية

| عباس العمران

في‭ ‬مقالٍ‭ ‬رائع‭ ‬للكاتب‭ ‬الإماراتي‭ ‬القدير‭ ‬الأستاذ‭ ‬ناصر‭ ‬الظاهري‭ ‬تطرق‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬“المناطق‭ ‬الرمادية”،‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬إلى‭ ‬تلوين‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رمادي‭ ‬حولنا‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيعُ‭ ‬في‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬أن‭ ‬نتقبل‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الذي‭ ‬يتسببُ‭ ‬في‭ ‬خلقِ‭ ‬حالةٍ‭ ‬من‭ ‬الغموضِ‭ ‬وسوء‭ ‬الفهم‭.‬

في‭ ‬حقيقةِ‭ ‬الأمر،‭ ‬أخذتُ‭ ‬في‭ ‬التمعنِ‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬العميق‭ ‬فكراً‭ ‬وتوصيفاً،‭ ‬وتبين‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬جلَ‭ ‬مشاكلنا‭ ‬الحياتية‭ ‬تكمنُ‭ ‬في‭ ‬بقائنا‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية،‭ ‬غير‭ ‬الواضحة،‭ ‬والمبهمة،‭ ‬وقد‭ ‬يطولُ‭ ‬بالبعضِ‭ ‬البقاء‭ ‬فيها‭ ‬لفترةٍ‭ ‬طويلة،‭ ‬عاجزاً‭ ‬أحياناً‭ ‬عن‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬ومُتخاذلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أحيانٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬وقد‭ ‬تكونُ‭ ‬هناك‭ ‬منطقة‭ ‬رمادية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وقد‭ ‬تكثُر،‭ ‬هو‭ ‬أمرٌ‭ ‬يخضعُ‭ ‬لعواملَ‭ ‬عدة‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬العامل‭ ‬الذاتي،‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬المسلم‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬كثرةَ‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬تعني‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬قوة‭ ‬حضورِ‭ ‬الشك‭ ‬على‭ ‬اتجاهاتنا‭ ‬وهيمنة‭ ‬الريبة‭ ‬على‭ ‬مشاعرنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬واتجاهاتنا‭ ‬الفكرية‭ ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬سلوكنا‭. ‬

ولتوضيح‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬للقارئ‭ ‬الكريم‭ ‬وربطها‭ ‬بواقعنا،‭ ‬يمكننا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬اعتبار‭ ‬المسؤول‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬بواجباته‭ ‬الوظيفية‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬وجه،‭ ‬ولا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬طاقات‭ ‬فريقه‭ ‬ويتخاذل‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬الحقوق‭ ‬للموظف،‭ ‬فيمثلُ‭ ‬بقاؤه‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬بقعة‭ ‬رمادية‭ ‬واضحة،‭ ‬لذا‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يلونها‭ ‬حالاً،‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إبعادهِ‭ ‬عن‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬وهو‭ ‬الأمرُ‭ ‬المستحسن،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تمكين‭ ‬قيادات‭ ‬داعمة‭ ‬لأي‭ ‬خلل‭ ‬مؤسسي‭ ‬محتمل،‭ ‬لأن‭ ‬العمل‭ ‬الإداري‭ ‬لا‭ ‬تكونُ‭ ‬على‭ ‬خارطتهِ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أية‭ ‬منطقةٍ‭ ‬رماديةٍ‭ ‬يتمثلُ‭ ‬فيها‭ ‬التراخي‭ ‬أو‭ ‬التمييز‭ ‬الوظيفي‭ ‬أو‭ ‬التخاذل‭.‬

فيا‭ ‬تُرى‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬مِنطقةٍ‭ ‬رماديةٍ‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ومُحيطنا‭ ‬تحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬تلوين‭ ‬لتبدو‭ ‬أكثرَ‭ ‬وضوحا‭ ‬واتساقا‭ ‬مع‭ ‬الواقع؟‭ ‬وما‭ ‬مقدار‭ ‬حاجتنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬متغيرات‭ ‬متسارعة‭ ‬إلى‭ ‬إعطاء‭ ‬الأمور‭ ‬وزنها‭ ‬الحقيقي‭ ‬وجديتها‭ ‬المطلوبة؟‭.‬