بعض الحكايا “1” الحرب

| سعيد محمد

فجأة‭.. ‬تحول‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬والدمار‭ ‬والانتقام‭ ‬وكأنه‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬التسالي‭ ‬والترفيه‭! ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬أصبح‭ ‬يكتب‭ ‬الأشعار‭ ‬تمجيدًا‭ ‬في‭ ‬السلاح‭ ‬والبطولات‭ ‬والمفاخر،‭ ‬وصار‭ ‬الآخر‭ ‬يخطب‭ ‬متحدثًا‭ ‬عن‭ ‬حتمية‭ ‬الحرب‭ ‬وضرورة‭ ‬النزال‭ ‬وملحمة‭ ‬الوطيس،‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬منهكة‭ ‬ومرهقة‭ ‬ويحيطها‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬ولقمة‭ ‬العيش‭ ‬فيها‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬الصعاب‭.‬

وقف‭ ‬ذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬ليصدح‭ ‬بما‭ ‬فاضت‭ ‬به‭ ‬شاعريته‭ ‬ليشحذ‭ ‬الهمم‭ ‬ويهيئ‭ ‬الناس‭ ‬“أن‭ ‬هلموا‭.. ‬هبوا‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬فليس‭ ‬غير‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬سبيل”،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬الحشود‭ ‬تصفق‭.. ‬تتمايل‭ ‬يمينًا‭ ‬ويسارًا‭ ‬وكأنها‭ ‬تتراقص‭ ‬على‭ ‬أنغام‭ ‬قصيدة‭ ‬عشق‭ ‬غرامية‭.. ‬ما‭ ‬إن‭ ‬أنهى‭ ‬الشاعر‭ ‬قصيدته‭ ‬حتى‭ ‬جاءه‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬الحشود‭ ‬واجمًا‭ ‬خائفًا‭ ‬قلقًا‭ ‬مما‭ ‬سمع‭ ‬وقال‭ ‬للشاعر‭ ‬“هل‭ ‬أنت‭ ‬مجنون؟‭ ‬أهناك‭ ‬من‭ ‬يملأ‭ ‬نفوس‭ ‬الناس‭ ‬بوهم‭ ‬الدمار‭ ‬والحرب‭ ‬والقتال؟‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أنك‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬إنما‭ ‬تحسن‭ ‬صنعًا؟‭ ‬لا‭ ‬والله،‭ ‬فأنت‭ ‬إما‭ ‬مهبولٌ‭ ‬أضاع‭ ‬بوصلة‭ ‬الطريق،‭ ‬وإما‭ ‬أنك‭ ‬جاهل‭ ‬لا‭ ‬تدرك‭ ‬خطورة‭ ‬ما‭ ‬تغرسه‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساكين”‭.‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬منتفخًا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الزهو‭ ‬فقال‭ ‬للرجل‭ ‬“هو‭ ‬زمن‭ ‬البطولات‭ ‬يا‭ ‬هذا‭.. ‬إنه‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نصنع‭ ‬فيه‭ ‬المجد،‭ ‬ونرسم‭ ‬فيه‭ ‬بارقة‭ ‬الأمل‭ ‬وانتظار‭ ‬لحظة‭ ‬الانتصار”‭.. ‬قاطعه‭ ‬الرجل‭ ‬“البطولات‭ ‬والمجد‭ ‬والانتصار‭ ‬على‭ ‬من؟”‭.. ‬صمت‭ ‬الشاعر‭ ‬فليس‭ ‬لديه‭ ‬الجواب‭ ‬الذي‭ ‬يقبله‭ ‬العقل‭ ‬فليست‭ ‬الحرب‭ ‬المزعومة‭ ‬سوى‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬وإخوة‭ ‬وأقارب‭.. ‬لكن‭ ‬الرجل‭ ‬همس‭ ‬في‭ ‬أذنه‭ ‬بكلام‭ ‬لم‭ ‬يرق‭ ‬للشاعر‭ ‬“اسمع‭ ‬يا‭ ‬هذا‭.. ‬تذكر‭ ‬حين‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬بأنك‭ ‬وأهلك‭ ‬ومن‭ ‬حولك‭ ‬تعيشون‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬وأمان‭ ‬الآن‭.. ‬تغادر‭ ‬منزلك‭ ‬وتعود‭ ‬إليه‭ ‬آمنًا،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب،‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬ذلك‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬سيحل‭ ‬على‭ ‬بيتك‭ ‬وعيالك‭ ‬وأهلك‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬حولك‭.. ‬هل‭ ‬فكرت‭ ‬وأنت‭ ‬تمجد‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬صاروخًا‭ ‬سيأتيك‭ ‬بغتة‭ ‬ليغتال‭ ‬أحلامك‭ ‬وسلامك‭ ‬وأمنك‭ ‬وتفقد‭ ‬الأعزاء؟”‭.. ‬صمت‭ ‬الشاعر‭ ‬كأنه‭ ‬يتأمل‭ ‬متخيلًا‭ ‬المشهد‭.. ‬ترى،‭ ‬أي‭ ‬عيش‭ ‬هذا؟‭ ‬ولماذا‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬حينما‭ ‬تشتعل،‭ ‬سيكون‭ ‬هو‭ ‬ومن‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬مأمن؟

وقبل‭ ‬أن‭ ‬يغادر،‭ ‬همس‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬أذنه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬“أعلم‭ ‬أنك‭ ‬تدرك‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الخطر‭.. ‬لكنها‭ ‬بضع‭ ‬دراهم‭ ‬نظير‭ ‬قصيدتك‭ ‬البائسة‭ ‬كانت‭ ‬تكفي‭ ‬لأن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬بوق‭ (‬غبي‭) ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬نعمة‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬أمان‭ ‬وسلام”‭.‬