قهوة الصباح

وزارة العمل من الرومانسية إلى الواقعية

| سيد ضياء الموسوي

بالأمس‭ ‬خرج‭ ‬علينا‭ ‬سعادة‭ ‬وزير‭ ‬العمل‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬جميل‭ ‬حميدان‭ ‬بـ‭ ‬“مانشيت”‭ ‬شبيه‭ ‬بالكوميديا‭ ‬السوداء،‭ ‬ومفاده‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬“مستعدة‭ ‬لتقديم‭ ‬خبراتها‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬البطالة”‭ ‬بدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬وأنها‭ ‬“على‭ ‬استعداد‭ ‬لتقديم‭ ‬خبراتها‭ ‬وتجاربها‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬محاربة‭ ‬البطالة‭ ‬ودمج‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وتعزيز‭ ‬أنظمة‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وإستراتيجيتها‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬المهني‭ ‬والفني‭ ‬لتأهيل‭ ‬المواطنين‭ ‬لسوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص”،‭ ‬ونقل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭. ‬

أشعر‭ ‬من‭ ‬التصريح‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬إما‭ ‬أنها‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬افتراضي‭ ‬غير‭ ‬مسكون‭ ‬بأحد‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬تحب‭ ‬تمثيل‭ ‬دور‭ ‬“البطل‭ ‬المنقذ”‭ ‬للبطالة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬رغم‭ ‬تيقنها‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬ذاتها‭ ‬هي‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سيارة‭ ‬إسعاف‭ ‬لترميم‭ ‬خيمتها‭ ‬بالمضادات،‭ ‬فالوزارة‭ ‬بدأت‭ ‬خيمتها‭ ‬تتهرأ؛‭ ‬بسبب‭ ‬شمس‭ ‬البطالة‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬تثقب‭ ‬جمجمة‭ ‬الوزارة‭!‬

لا‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬سعادة‭ ‬الوزير‭ ‬يعلن‭ ‬القفز‭ ‬سباحة‭ ‬من‭ ‬سفينة‭ ‬الوزارة‭ ‬ومد‭ ‬السترة‭ ‬البلاستيكية‭ ‬لوزارات‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬رغم‭ ‬علمه‭ ‬أن‭ ‬وزارات‭ ‬العمل‭ ‬الخليجية‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬في‭ ‬أرقامها‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬الوزارة‭ ‬البحرينية‭. ‬

أقول‭: ‬إن‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬تحمل‭ ‬صفات‭ ‬الإثارة‭ ‬والنفخ‭ ‬في‭ ‬بالونات‭ ‬الأخبار‭ ‬و‭ ‬صناعة‭ ‬الأكشنات،‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬تستفز‭ ‬مشاعر‭ ‬العاطلين‭ ‬بهكذا‭ ‬مانشيتات‭ ‬نارية‭ ‬وساحرة‭ ‬ومؤلمة‭ ‬كألعاب‭ ‬نارية‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬ضخم‭. ‬فليس‭ ‬غريبًا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استيقظنا‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬لنجد‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬رومانسية‭ ‬الوزارة‭ ‬وهوسها‭ ‬بالصحافة‭ ‬ومرض‭ ‬المانشيتات،‭ ‬لنجد‭ ‬تصريحًا‭ ‬جديدا‭ ‬للوزارة،‭ ‬بأنها‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتقديم‭ ‬خبرتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬البطالة‭ ‬لدول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭!‬

الغريب،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬فيه‭ ‬البطالة،‭ ‬حسب‭ ‬تقرير‭ ‬مكتب‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الأوروبية‭ ‬“يوروستات”‭ ‬لمنطقة‭ ‬اليورو‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬إلى‭ ‬7‭.‬8‭ % ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الحالي،‭ ‬مازالت‭ ‬وزارتنا‭ ‬تقدم‭ ‬القداس،‭ ‬وترش‭ ‬ماء‭ ‬الورد‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬4‭ %.‬

ورغم‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البحريني‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬واقع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬أو‭ ‬لظروفه‭ ‬الخاصة‭ ‬داخليًا،‭ ‬مازال‭ ‬يقول‭ ‬الوزير‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬آلافًا‭ ‬يتم‭ ‬توظيفهم‭ ‬سنويا،‭ ‬وإن‭ ‬النسبة‭ ‬تترنح‭ ‬قليلا‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬4‭ %‬؟

أقول‭: ‬رغم‭ ‬ارتفاع‭ ‬مناديل‭ ‬بكاء‭ ‬أعداد‭ ‬العاطلين،‭ ‬وتكدس‭ ‬الخيبات‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬الوزارة،‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬الوزارة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬تكابر‭ ‬لتقول‭: ‬إن‭ ‬الوزارة‭ ‬مستعدة‭ ‬لنقل‭ ‬تجربتها‭ ‬“العظيمة”‭ ‬في‭ ‬محاربتها‭ ‬للبطالة‭ ‬لدول‭ ‬الخليج،‭ ‬وستعيد‭ ‬استنساخها‭ ‬لحلول‭ ‬البطالة‭ ‬فيها‭! ‬هل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬منظار‭ ‬لرؤية‭ ‬تكدس‭ ‬العاطلين‭ ‬أمام‭ ‬مراكز‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭ ‬لتجد‭ ‬المفارقة‭ ‬الكبيرة؟‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الوزارة‭ ‬فعلا‭ ‬تمتلك‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬“الخبرة”،‭ ‬فليس‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬علينا‭ ‬الوزارة‭ ‬لتقول‭ ‬مستقبلًا‭ ‬إنها‭ ‬مستعدة‭ ‬لتقديم‭ ‬خبرتها‭ ‬إلى‭ ‬اليونان،‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬المعدل‭ ‬الأعلى‭ (‬18%‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬تقدم‭ ‬خبرتها‭ ‬لإسبانيا،‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬13‭.‬9‭ % ‬أو‭ ‬إيطاليا‭ ‬10‭.‬7‭ %.‬

فإذا‭ ‬صمتنا‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬سيأخذها‭ ‬هوس‭ ‬التصريح‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭! ‬وقد‭ ‬تواجه‭ ‬بكوميديا‭ ‬أي‭ ‬عاطل‭ ‬ليقول‭: ‬أتمنى‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محلية‭ ‬ولا‭ ‬تشغل‭ ‬بالها‭ ‬مستقبلا‭ ‬بألمانيا‭ ‬أو‭ ‬هولندا‭ ‬أو‭ ‬التشيك،‭ ‬فهي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬البحرين،‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إرشادات‭ ‬الآن‭! ‬

سعادة‭ ‬الوزير،‭ ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الملح‭ ‬على‭ ‬جرح‭ ‬الشهادات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬المتكدسة‭ ‬للعاطلين،‭ ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬وإستراتيجية‭ ‬لتقليل‭ ‬النسبة‭. ‬

وفي‭ ‬المفهوم‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬زادت‭ ‬نسبة‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬وليس‭ ‬إذا‭ ‬زادت‭ ‬التصريحات،‭ ‬وتغافلنا‭ ‬عن‭ ‬البطالة،‭ ‬واكتفينا‭ ‬بخنق‭ ‬الأرقام،‭ ‬وإخفاء‭ ‬النسبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بيكيبورد‭ ‬طلسنة‭ ‬حشو‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬ورق‭ ‬عنب‭ ‬غموض‭ ‬المصطلحات‭. ‬فحتى‭ ‬لو‭ ‬قمنا‭ ‬بذلك‭ ‬ستطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭. ‬

أقول،‭ ‬بمنطق‭ ‬ابستمولوجي،‭ ‬وحب‭ ‬للوطن‭ ‬والعاطلين،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الشفافية،‭ ‬فالاعتراف‭ ‬بالنسبة‭ ‬والمشكلة‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬الحل،‭ ‬فهروب‭ ‬الطبيب،‭ ‬وإنكار‭ ‬مرض‭ ‬المريض‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬شفاءه،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يضطره‭ ‬إلى‭ ‬الالتجاء‭ ‬لنقل‭ ‬المريض‭ ‬إلى‭ ‬السرير،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬مشكلتنا‭ ‬في‭ ‬البطالة‭. ‬

أقول‭ ‬للوزارة‭: ‬البطالة‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬مصباح‭ ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬ولا‭ ‬البساط‭ ‬الطائر،‭ ‬فقط‭ ‬تحتاج‭ ‬منها‭ ‬واقعية‭ ‬وإستراتيجية‭ ‬وسيكون‭ ‬هناك‭ ‬الحل‭. ‬أقول‭: ‬نحن‭ ‬كلما‭ ‬دعمنا‭ ‬الإنجازات‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وهي‭ ‬كثر،‭ ‬واعترفنا‭ ‬بأي‭ ‬سلبيات‭ ‬بمنطق‭ ‬علمي‭ ‬مهني‭ ‬سنزيد‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬البحرين‭ ‬تنمية‭ ‬وجمالًا‭ ‬ومصداقية،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تعلمناها‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬والحكومة‭ ‬الرشيدة،‭ ‬أن‭ ‬نشجع‭ ‬الإيجابيات‭ ‬والإنجازات‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬بمنطق‭ ‬علمي‭ ‬ووطني‭. ‬

الاعتراف‭ ‬بالأرقام‭ ‬والاعتراف‭ ‬الإيجابي‭ ‬البناء‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬البحرين‭ ‬نحو‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭.‬