أفضلية لـ “الوطنية”

| د. عبدالله الحواج

قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إرساء‭ ‬المشاريع‭ ‬الحكومية‭ ‬على‭ ‬مقاولين‭ ‬بحرينيين،‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وجه‭ ‬سموه‭ ‬وزارات‭ ‬الدولة‭ ‬كافة‭ ‬نحو‭ ‬هذه‭ ‬الوجهة‭ ‬التنموية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذهب‭ ‬المقاولون‭ ‬بالشكوى،‭ ‬وقدموا‭ ‬إلى‭ ‬سموه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عريضة‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬تصور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬غرفة‭ ‬تجارة‭ ‬وصناعة‭ ‬البحرين‭.‬

ما‭ ‬أشبه‭ ‬الليلة‭ ‬بالبارحة،‭ ‬حيث‭ ‬يخرج‭ ‬التوجيه‭ ‬السامي‭ ‬بالصيغ‭ ‬نفسها‭ ‬ربما،‭ ‬وبالهدف‭ ‬ذاته‭ ‬ليصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬المقاول‭ ‬الوطني‭ ‬داعمًا‭ ‬له،‭ ‬ومؤازرًا‭ ‬لمسيرته،‭ ‬ومشاركا‭ ‬همومه‭ ‬وأزماته‭ ‬وأطروحاته‭ ‬وقضاياه‭.‬

الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬لحقت‭ ‬أيضًا‭ ‬بقطاع‭ ‬المقاولات‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭ ‬أصابها‭ ‬التباطؤ‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬والتراجع‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭.‬

العرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الطلب،‭ ‬ظاهرة‭ ‬غير‭ ‬محمودة‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمؤسسات،‭ ‬وظاهرة‭ ‬إيجابية‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬المسألة‭ ‬مجرد‭ ‬منتجات‭ ‬تتراجع‭ ‬أسعارها‭ ‬وتصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الصعد‭ ‬والأوقات‭.‬

عرض‭ ‬المؤسسات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الطلب‭ ‬عليها،‭ ‬يعني‭ ‬أعدادها‭ ‬تفوق‭ ‬المطلوب‭ ‬منها،‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬التراخيص‭ ‬الممنوحة‭ ‬لشركات‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التقاولي‭ ‬قد‭ ‬فاضت‭ ‬على‭ ‬حاجة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمجتمع‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬لابد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الترشيد،‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬التأكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬الترخيص‭ ‬الممنوح‭ ‬يذهب‭ ‬للقطاع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تخمة،‭ ‬للنشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المطلوب‭ ‬ضخ‭ ‬دماء‭ ‬جديدة‭ ‬إليه،‭ ‬للمجال‭ ‬المفتوح‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬التحليق‭ ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‭.‬

سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬برؤيته‭ ‬الثاقبة‭ ‬يلمح‭ ‬دائمًا‭ ‬المنحنيات‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتعددة،‭ ‬يقيس‭ ‬بميزان‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬معدل‭ ‬الأداء،‭ ‬ومؤشر‭ ‬النمو،‭ ‬ويسأل‭ ‬عن‭ ‬المشكلات،‭ ‬يستفسر‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬الشركات،‭ ‬ويجلس‭ ‬مع‭ ‬المنتسبين‭ ‬لكل‭ ‬قطاع،‭ ‬يستمع‭ ‬إليهم‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتحدث‭ ‬لهم،‭ ‬يفتح‭ ‬قلبه‭ ‬وعقله‭ ‬لكل‭ ‬طارق‭ ‬لبابه‭ ‬العالي‭ ‬طالبًا‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭.‬

الاجتماع‭ ‬والشرح‭ ‬والتفسير‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬،‭ ‬إنها‭ ‬قدرة‭ ‬مضاعفة‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬القرار‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وعزيمة‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬لقراءة‭ ‬ما‭ ‬تخبئه‭ ‬سطور‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬وممارسات‭ ‬ومواقف‭ ‬على‭ ‬المحك‭.‬

مؤخرًا‭ ‬جأر‭ ‬المقاولون‭ ‬بالشكوى،‭ ‬تحدثوا‭ ‬عن‭ ‬مزاحمة‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬لهم،‭ ‬وعن‭ ‬ضيق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬وضعف‭ ‬العزم‭ ‬التنموي‭ ‬الموجه‭ ‬نحو‭ ‬قطاع‭ ‬التعمير‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭ ‬ربما،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تطور‭ ‬من‭ ‬أدائها،‭ ‬من‭ ‬معرفتها،‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬التقاولية‭ ‬المعقدة‭ ‬تكنولوجيًا،‭ ‬المتقدمة‭ ‬إلكترونيًا،‭ ‬والسابحة‭ ‬في‭ ‬ملكوت‭ ‬الحداثة‭ ‬لأبعد‭ ‬مدى‭ ‬ممكن‭.‬

والسؤال‭ ‬هل‭ ‬نُمكن‭ ‬شركاتنا‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬عملًا‭ ‬بمبدأ‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬حيث‭ ‬السوق‭ ‬الحرة‭ ‬ستظل‭ ‬حرة‭ ‬ومفتوحة‭ ‬دائمًا؟

بالتأكيد‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬كفيلة‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة،‭ ‬خاصةً‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬طورت‭ ‬أداءاتها‭ ‬تكنولوجيًا‭ ‬ومعرفيًا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬مستثمرين‭ ‬أجانب‭ ‬بل‭ ‬ومع‭ ‬شركات‭ ‬لها‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المقاولات‭ ‬الفسيح،‭ ‬هو‭ ‬بالتحديد‭ ‬ما‭ ‬يُمكنها‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬التقاولية‭ ‬وعلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬التأهيل‭ ‬وتحقيق‭ ‬الإنجاز،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬التوجيه‭ ‬السامي‭ ‬في‭ ‬محله،‭ ‬والقرار‭ ‬الصائب‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬الصحيح‭. ‬شركاتنا‭ ‬أولى‭ ‬وأحق،‭ ‬وعزمنا‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬المحن‭ ‬وتخطي‭ ‬العقبات‭ ‬سيكون‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أقوى‭ ‬وأعمق‭ ‬وأدق‭.‬