ريشة في الهواء

غابة شركات الهاتف

| أحمد جمعة

شركات‭ ‬الهاتف‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬همها‭ ‬الأول‭ ‬الربح،‭ ‬وليس‭ ‬لنا‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الهم،‭ ‬فهو‭ ‬مشروع،‭ ‬وهو‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬وتعددها،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الربح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الإنسان‭ ‬وتحطيم‭ ‬معنوياته‭ ‬بالمحاكم‭ ‬والمراكز‭ ‬فهذا‭ ‬ينسف‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬أنشئت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬الشركات،‭ ‬أي‭ ‬شركات‭ ‬بالوجود،‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬الوطنية‭ ‬والخيرية‭ ‬ودعم‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختلفة‭ ‬بالبلاد،‭ ‬أنشأت‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬أقساما‭ ‬ووظفت‭ ‬شركات‭ ‬محاماة‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات‭! ‬لأجل‭ ‬تحصيل‭ ‬المبالغ‭ ‬المتخلفة‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬المراهقين‭ ‬الذين‭ ‬تورطوا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬دون‭ ‬توصية‭ ‬من‭ ‬أوليائهم،‭ ‬مندفعين‭ ‬بحماس‭ ‬الشباب،‭ ‬ولأجلهم‭ ‬فتحت‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬وشرعتها‭ ‬وسهلت‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬هاتف‭ ‬وأجهزة‭ ‬مقسطة،‭ ‬ثم‭ ‬توقف‭ ‬هؤلاء‭ ‬عن‭ ‬الدفع‭ ‬وقطعوا‭ ‬الخدمة‭ ‬وانصرفوا‭ ‬لحالهم،‭ ‬وهنا‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬شركات‭ ‬الهاتف‭ ‬ومعها‭ ‬مكاتب‭ ‬المحاماة‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬مطالبة‭ ‬الشباب‭ ‬والمواطنين‭ ‬الذين‭ ‬تخلفوا‭ ‬عن‭ ‬الدفع‭ ‬بتسديد‭ ‬فواتيرهم،‭ ‬وهذا‭ ‬حقها‭ ‬ومن‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تلاحقهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المحاكم‭ ‬ومراكز‭ ‬الشرطة،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬مقبول‭ ‬وواقعي‭ ‬وموضوعي‭.‬

لكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬والواقعي‭ ‬أن‭ ‬تنتظر‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬خمس‭ ‬وست‭ ‬وسبع‭ ‬سنوات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬ساكناً،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬ترسل‭ ‬أي‭ ‬تنبيه‭ ‬أو‭ ‬تذكر‭ ‬المواطنين‭ ‬بضرورة‭ ‬تسديد‭ ‬فواتيرهم،‭ ‬وسيكون‭ ‬مقبولاً‭ ‬أيضاً‭ ‬لو‭ ‬أنذرتهم‭ ‬وهددتهم‭ ‬وهذا‭ ‬حقها‭ ‬كذلك،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬تسكت،‭ ‬وتأتي‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬وتفتح‭ ‬الملفات‭ ‬مضاعفة‭ ‬أرباحها‭ ‬وتستصدر‭ ‬بيوم‭ ‬وليلة‭ ‬أمراً‭ ‬من‭ ‬المحاكم‭ ‬بتسديد‭ ‬المبالغ‭ ‬المتراكمة‭ ‬لتصل‭ ‬لآلاف‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬دفعتين‭ ‬أو‭ ‬السجن،‭ ‬هذا‭ ‬سلخ‭ ‬وجلد‭ ‬للمواطن‭ ‬الذي‭ ‬خُدع‭ ‬بصمت‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬والسكوت‭ ‬لسنوات‭ ‬عن‭ ‬فواتيرها‭ ‬ثم‭ ‬فجأة‭ ‬تصحو‭ ‬وتطلب‭ ‬تسديد‭ ‬الآلاف،‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬غير‭ ‬منطق‭ ‬الربح‭ ‬فقط‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬السلوك؟

أنا‭ ‬هنا‭ ‬أيضاً‭ ‬ألوم‭ ‬تسديد‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬على‭ ‬دفعة‭ ‬أو‭ ‬دفعتين‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬مضت‭ ‬وتراكمت‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الديون‭ ‬وأصبح‭ ‬المواطن‭ ‬عاجزاً‭ ‬عن‭ ‬تسديدها‭ ‬بوقت‭ ‬قصير،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬مراعاة‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬وتوقيت‭ ‬التسديد‭ ‬وتسهيله،‭ ‬فهذه‭ ‬الشركات‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬أن‭ ‬تطالب‭ ‬بتحصيل‭ ‬فواتيرها،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بالطريقة‭ ‬القتالية‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬المحاماة،‭ ‬هناك‭ ‬وسائل‭ ‬إنسانية‭ ‬وحضارية‭ ‬واجتماعية‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬مراعاتها‭ ‬وإلا‭ ‬أضحى‭ ‬مجتمعنا‭ ‬غابة‭ ‬وحشية‭ ‬يأكل‭ ‬فيها‭ ‬الكبير‭ ‬الصغير‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

لا‭ ‬جديد‭ ‬تحت‭ ‬الشمس،‭ ‬مقولة‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬فقط‭.‬