دقت الساعة: مدفن النفايات (1)

| يوسف الغتم

شجون‭ ‬الإلهام‭ ‬حفزتني‭ ‬لأكتب‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬عن‭ ‬شؤون‭ ‬بلدية‭ ‬عايشتها‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬متقلداً‭ ‬مناصب‭ ‬عديدة‭ ‬والمناصب‭ ‬ليست‭ ‬غاية‭ ‬الإنسان‭ ‬الواثق‭ ‬بقدراته‭ ‬إنما‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬والنتائج‭ ‬لصالح‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬وهي‭ ‬بحق‭ ‬أمانة‭ ‬حُملتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قيادتنا‭ ‬الرشيدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوجيهات‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬لصالح‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن،‭ ‬وهناك‭ ‬حقيقة‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬تقول‭ ‬“عندما‭ ‬يكون‭ ‬الشخص‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المنصب‭ ‬تجده‭ ‬متواضعا‭ ‬وعادلا‭ ‬ومنتجا،‭ ‬وعندما‭ ‬يكون‭ ‬المنصب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الشخص‭ ‬تجده‭ ‬مغرورا‭ ‬وظالما‭ ‬وأحمق،‭ ‬ونعود‭ ‬لعنوان‭ ‬العمود‭ ‬وأقول‭ ‬دقت‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر‭ ‬في‭ ‬مدفن‭ ‬النفايات‭ ‬البدائي‭ ‬في‭ ‬عسكر‭ ‬والذي‭ ‬مضى‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تطوير،‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬اهتمامي‭ ‬البيئي‭ ‬والأضرار‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬هذا‭ ‬المدفن‭ ‬الهرم‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬أضراره‭ ‬أعماق‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬نتيجة‭ ‬تسرب‭ ‬عصارة‭ ‬تراكم‭ ‬المخلفات‭ ‬نتيجة‭ ‬التحلل‭ ‬والضغط‭ ‬والحرارة‭ ‬والتي‭ ‬أفرزت‭ ‬مواد‭ ‬ضارة‭ ‬صحيا‭ ‬تخللت‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬نظراً‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬طبقات‭ ‬عازلة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬وصولها‭ ‬للمياه‭ ‬الجوفية،‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬الطويلة‭ ‬أحدثت‭ ‬ضرراً‭ ‬كبيراً‭ ‬وتلوثاً‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة،‭ ‬وانتقالها‭ ‬للمياه‭ ‬الجوفية‭ ‬التي‭ ‬ستؤثر‭ ‬على‭ ‬النبات‭ ‬وبالتالي‭ ‬الإنسان‭.‬

كذلك‭ ‬التلوث‭ ‬الغازي‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬المدفن‭ ‬نتيجة‭ ‬تحلل‭ ‬المخلفات‭ ‬والحرارة‭ ‬والرطوبة،‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭ ‬الذي‭ ‬ينتشر‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬مسببا‭ ‬غازات‭ ‬سامة،‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬يحدث‭ ‬تلوث‭ ‬بيئي‭ ‬ضار‭ ‬بالإنسان‭ ‬واحتباس‭ ‬حراري‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تسخين‭ ‬الجو‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬مرة‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للحرائق‭ ‬والأدخنة‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬المخلفات،‭ ‬لأنه‭ ‬سريع‭ ‬الاشتعال،‭ ‬وللأسف‭ ‬يتم‭ ‬دفن‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المخلفات‭ ‬الصلبة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الإطارات‭ ‬والبلاستيك‭ ‬بدل‭ ‬إعاده‭ ‬تدويرها،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فإن‭ ‬مادة‭ ‬المطاط‭ ‬تحتاج‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬حتى‭ ‬تتحلل‭ ‬لاحتوائها‭ ‬مادة‭ ‬الكبريت،‭ ‬وكذلك‭ ‬مادة‭ ‬البلاستيك‭ ‬تحتاج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٣٠٠‬‭ ‬سنة‭ ‬للتحلل،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬تنظر‭ ‬للنفايات‭ ‬كثروة‭ ‬اقتصادية‭ ‬تدر‭ ‬الملايين،‭ ‬ودولنا‭ ‬العربية‭ ‬للأسف‭ ‬تنظر‭ ‬للنفايات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬عبء‭ ‬يكلف‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬للتخلص‭ ‬منها‭.‬

وحسب‭ ‬الدراسة‭ ‬المعدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للبيئة‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬‮٢٠١٧‬‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إدارة‭ ‬المخلفات‭ ‬ومساهمته‭ ‬في‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬مساهمة‭ ‬إدارة‭ ‬النفايات‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬0‭.‬15‭ % ‬و0‭.‬18‭ %‬،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬متدنية‭ ‬جداً‭ ‬مقارنة‭ ‬بتقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬حددها‭ ‬بمتوسط‭ ‬سنوي‭ ‬يبلغ‭ ‬8‭.‬44‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬تزداد‭ ‬سنويا‭ ‬2‭.‬39‭ %‬،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬إدارة‭ ‬مخلفات‭ ‬ناجحة‭ ‬لانتشال‭ ‬المدفن‭ ‬من‭ ‬حالته‭ ‬الهرمة‭ ‬والتحول‭ ‬للمدافن‭ ‬الهندسية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬المخلفات‭ ‬بطرق‭ ‬حديثة‭ ‬وعصرية‭.‬