سوالف

أيام طفولتنا... بسيطة والقلوب فرحة وخضراء

| أسامة الماجد

هناك‭ ‬مسألة‭ ‬ينبغي‭ ‬طرحها‭ ‬بطريقة‭ ‬واضحة‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭.. ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬وأبناء‭ ‬اليوم،‭ ‬أبناء‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬واجهوا‭ ‬ألوانا‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬والحرمان،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أبدعوا‭ ‬وساروا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الوعرة‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة،‭ ‬وأذكر‭ ‬شخصيا‭ ‬أن‭ ‬جدتي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬كانت‭ ‬تعطيني‭ ‬“نص‭ ‬ربية”‭ ‬قبل‭ ‬خروجي‭ ‬وذهابي‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬الخليل‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بداية‭ ‬السبعينات‭ ‬في‭ ‬المحرق،‭ ‬ومثلها‭ ‬لأخي‭ ‬وليد‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬منزلنا‭ ‬“اللي‭ ‬كان‭ ‬أجار”‭ ‬مكيف،‭ ‬وكنا‭ ‬ننام‭ ‬مثل‭ ‬بقية‭ ‬العوائل‭ ‬فوق‭ ‬“السطح”‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الرطوبة‭ ‬التي‭ ‬تغسل‭ ‬الفراش‭ ‬وتجعله‭ ‬باردا‭ ‬مثل‭ ‬الجلباب‭ ‬البارد،‭ ‬وقبل‭ ‬الشمس‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬استيقظنا،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للنوم‭ ‬إلى‭ ‬الساعة‭ ‬السابعة‭ ‬أو‭ ‬الثامنة‭ ‬صباحا‭ ‬حيث‭ ‬ستكون‭ ‬الشمس‭ ‬مثل‭ ‬المحراث‭ ‬الذي‭ ‬يشق‭ ‬العظم،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬عندنا‭ ‬ألعاب‭ ‬ووسائل‭ ‬ترفيه‭ ‬إلكترونية‭ ‬مثل‭ ‬أبناء‭ ‬جيل‭ ‬اليوم،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬هو‭ ‬“الصعقير،‭ ‬والدحروي،‭ ‬وبي‭ ‬بي‭ ‬عنبر،‭ ‬والدوامة،‭ ‬والتيلة”،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬والفرح‭ ‬سيمشي‭ ‬نحوك‭ ‬سيأخذك‭ ‬والدك‭ ‬إلى‭ ‬سينما‭ ‬المحرق‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬السنة‭.‬

كانت‭ ‬حياتنا‭ ‬بسيطة‭ ‬للغاية‭ ‬والقلوب‭ ‬فرحة‭ ‬وخضراء‭ ‬والحب‭ ‬مخطوط‭ ‬على‭ ‬الجبين،‭ ‬وأحلامنا‭ ‬كانت‭ ‬بسمة‭ ‬مليئة‭ ‬بالنور،‭ ‬وأول‭ ‬أحلامي‭ ‬كانت‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬“جوتي‭ ‬بوت‭ ‬ليغا”‭ ‬الرياضي،‭ ‬ووعدني‭ ‬والدي‭ ‬بشرائه‭ ‬عندما‭ ‬أنجح‭ ‬وأنتقل‭ ‬إلى‭ ‬الصف‭ ‬الثالث‭ ‬الابتدائي،‭ ‬فانتظرت‭ ‬عاما‭ ‬دراسيا‭ ‬كاملا‭ ‬تحت‭ ‬رمال‭ ‬الحلم،‭ ‬وكنت‭ ‬معلقا‭ ‬فوق‭ ‬أعمدة‭ ‬الاجتهاد‭ ‬والمثابرة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬“الجوتي”‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬مثل‭ ‬العطشان‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬ومن‭ ‬شدة‭ ‬فرحتي‭ ‬بامتلاكه‭ ‬بعدما‭ ‬نجحت‭ ‬كنت‭ ‬أغسله‭ ‬بعد‭ ‬اللعب‭ ‬بالماء‭ ‬وأدهنه‭ ‬بالزيت‭ ‬لكي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬لمعته‭.‬

في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬نرى‭ ‬أبناءنا‭ ‬اليوم‭ ‬يعيشون‭ ‬حياة‭ ‬صوتها‭ ‬غليظ‭ ‬وحضورها‭ ‬مخيف‭ ‬ومرعب،‭ ‬فهم‭ ‬يسيرون‭ ‬بلا‭ ‬اسم‭ ‬ولا‭ ‬عنوان،‭ ‬وأصواتهم‭ ‬بلا‭ ‬نغم،‭ ‬حياتهم‭ ‬تبرز‭ ‬نبتها‭ ‬المسموم‭ ‬وأعشابا‭ ‬من‭ ‬الخوف،‭ ‬إنهم‭ ‬يعبرون‭ ‬تحت‭ ‬العتمة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬قد‭ ‬تطعمهم‭ ‬للنار‭. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬ورخامه‭ ‬الناصع‭.‬