ماذا بعد

هل نحتاج إلى سعر الفائدة الطبيعي؟

| مازن النسور

هل‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬و”الهدوء”‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬بالأسواق‭ ‬اعتماد‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬ب‭ ‬“سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬الطبيعي”‭. ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رصدنا‭ ‬حركة‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬وحركتها‭ ‬نحو‭ ‬الانخفاض‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهي‭ ‬قائدة‭ ‬تحديد‭ ‬نسب‭ ‬الفائدة‭ ‬دون‭ ‬منازع‭.‬

ودائما‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬خلافات‭ ‬وعمليات‭ ‬شد‭ ‬وجذب‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬والبنوك‭ ‬المركزية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وأحدثها‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬ورئيس‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ (‬المركزي‭ ‬الأميركي‭) ‬حول‭ ‬تحديدها‭.‬

ولا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬“الفائدة‭ ‬الطبيعية”‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خلافا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬مستواها‭ (‬تحديد‭ ‬نسبتها‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬النسبة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مرتفعة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تعوق‭ ‬الاستثمار‭ ‬وتسبب‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬منخفضة‭ ‬بشدة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تشجع‭ ‬النمو‭ ‬بشكل‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬التضخم،‭ ‬وصعود‭ ‬“زائف”‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭: ‬هل‭ ‬الدول‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بحسب‭ ‬ظروف‭ ‬أسواقها‭ ‬واقتصادها،‭ ‬ويمكن‭ ‬تعميمها‭ ‬كقاعدة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬مسك‭ ‬العصا‭ ‬من‭ ‬الوسط؟‭.‬

وبحسب‭ ‬تفسيرات‭ ‬الخبراء‭ ‬فأن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعادل‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‭ ‬تماما،‭ ‬لكنهم‭ ‬يحذرون‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬الاقتراض‭ ‬بصورة‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها،‭ ‬كون‭ ‬المقترضين‭ ‬يأملون‭ ‬سداد‭ ‬ديونهم‭ ‬بنفس‭ ‬قيمتها‭ ‬تقريبا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أي‭ ‬أرباح‭ ‬سيحققونها‭ ‬ستكون‭ ‬صافية‭ ‬لهم‭.‬

فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة،‭ ‬إن‭ ‬تساوت‭ ‬مع‭ ‬التضخم،‭ ‬ستشكل‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬البنوك،‭ ‬وتقف‭ ‬حائلا‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬الأرباح،‭ ‬حيث‭ ‬ستبقى‭ ‬القيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لأموالها‭ ‬السائلة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬مما‭ ‬يدفعها‭ ‬لإدارة‭ ‬محافظ‭ ‬استثمارية‭ ‬واسعة‭ ‬بنفسها‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭ ‬التقليدي‭ ‬بين‭ ‬الدائن‭ ‬والمدين‭.‬

‭ ‬وترى‭ ‬مؤسسة‭ ‬“ميسيس”‭ ‬النمساوية‭ ‬للدراسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الفائدة،‭ ‬أي‭ ‬المساوي‭ ‬لنسبة‭ ‬التضخم،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تجنيب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الهزّات‭ ‬التي‭ ‬تحدث،‭ ‬حيث‭ ‬سيكون‭ ‬الإقراض‭ ‬في‭ ‬حدوده‭ ‬الدنيا‭ ‬كون‭ ‬البنوك‭ ‬لن‭ ‬تستفيد،‭ ‬بينما‭ ‬ستصبح‭ ‬المشاركة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سواء‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستثمارات‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأسهم،‭ ‬أكثرية،‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬لتراجع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الديون‭ ‬المتفاقمة‭.‬

واعتبرت‭ ‬المؤسسة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬وهي‭ ‬قد‭ ‬تضر‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬كونها‭ ‬ستمنع‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬مدرسة‭ ‬تفضل‭ ‬احتساب‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬يساوي‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬مضافا‭ ‬إليه‭ ‬نصف‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وإضافة‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬يأتي‭ ‬لتفادي‭ ‬تراجع‭ ‬القيمة،‭ ‬فيما‭ ‬يتم‭ ‬إضافة‭ ‬نصف‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬المشاركة‭ ‬بين‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يديره‭.‬

‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬المُقرض‭ ‬يعتبر‭ ‬ممثلًا‭ ‬لرأس‭ ‬المال،‭ ‬والمُقترض‭ ‬ممثلًا‭ ‬للإدارة،‭ ‬ثم‭ ‬يتقاسمان‭ ‬الأرباح‭ ‬سويًا،‭ ‬وإذا‭ ‬تمكنت‭ ‬الإدارة‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬معدلات‭ ‬الربحية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تساوي‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬البلاد‭ ‬ككل‭ (‬وهو‭ ‬افتراض‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭) ‬فإنه‭ ‬سيحصل‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬أكبر‭.‬

‭ ‬وهناك‭ ‬مدرسة‭ ‬تدعو‭ ‬لجعل‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬الطبيعي‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬معا،‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬النصف،‭ ‬فيما‭ ‬تقدرها‭ ‬أخرى‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعدل‭ ‬النمو‭ ‬المتوقع‭ ‬وليس‭ ‬الحالي،‭ ‬كون‭ ‬نتيجة‭ ‬الاقتراض‭ ‬ستنعكس‭ ‬مستقبلًا‭.‬

يقود‭ ‬الفدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬معركة‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة،‭ ‬فيما‭ ‬نبقى‭ ‬نحن‭ ‬تابعون‭ ‬ونسير‭ ‬حسب‭ ‬رأيه،‭ ‬رغم‭ ‬الاختلاف‭ ‬الجوهري‭ ‬بين‭ ‬اقتصادياتنا‭ ‬واقتصاد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ناسبنا‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭ ‬يناسبنا‭ ‬الآن‭.‬فهل‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬لدينا‭ ‬منطقية،‭ ‬حقيقية،‭ ‬محفّزة؟