ثورة الصناديق التونسية

| بدور عدنان

أسفرت‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬دورها‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬وصول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدستوري‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬والإعلامي‭ ‬نبيل‭ ‬القروي،‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬مفاجئة،‭ ‬حيث‭ ‬سقطت‭ ‬أسماء‭ ‬معروفة‭ ‬لها‭ ‬باعها‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تواجدها‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬التونسي‭ ‬سابقاً‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملها‭ ‬الحزبي‭.‬

قيس‭ ‬سعيد‭ ‬القانوني‭ ‬المستقل‭ ‬عرفه‭ ‬التونسيون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬المشاهدين‭ ‬لدقائق‭ ‬معدودة‭ ‬يوضح‭ ‬ويحلل‭ ‬الإشكالات‭ ‬القانونية،‭ ‬قاد‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شقة‭ ‬صغيرة،‭ ‬اعتمد‭ ‬في‭ ‬تمويلها‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬المتبرعين‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬به‭ ‬كما‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬طلبته‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬رغم‭ ‬عزوفهم‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وبحسب‭ ‬الإحصائيات‭ ‬تبين‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬الشريحة‭ ‬العظمى‭ ‬التي‭ ‬صوتت‭ ‬لصالح‭ ‬سعيد‭.‬

تابعت‭ ‬المناظرة‭ ‬الانتخابية‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬سعيد‭ ‬وشدتني‭ ‬إجابته‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬سؤاله‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬في‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام،‭ ‬فمن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬ميلاً‭ ‬للعلمانية‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬إجابته‭ ‬حيث‭ ‬صرح‭ ‬بأنه‭ ‬مع‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام‭ ‬وفقاً‭ ‬للقوانين‭ ‬وعندما‭ ‬بحثت‭ ‬أكثر‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬لا‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬مساواة‭ ‬الرجل‭ ‬بالمرأة‭ ‬في‭ ‬الميراث‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يناهض‭ ‬المثلية‭ ‬التي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ممولة‭ ‬وذات‭ ‬أجندة‭ ‬خارجية‭. ‬ربما‭ ‬توجه‭ ‬سعيد‭ ‬المحافظ‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬حزب‭ ‬النهضة‭ ‬الإسلامي‭ ‬لمغازلته‭ ‬ومحاولة‭ ‬التقرب‭ ‬منه‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬خسارة‭ ‬المقعد‭ ‬الرئاسي‭ ‬لكن‭ ‬سعيد‭ ‬أوضح‭ ‬للجميع‭ ‬أنه‭ ‬مستقل‭ ‬ولا‭ ‬يتقارب‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬حزب‭.‬

أما‭ ‬الإعلامي‭ ‬نبيل‭ ‬القروي‭ ‬صاحب‭ ‬قناه‭ ‬نسمة‭ ‬الفضائية،‭ ‬والذي‭ ‬خاض‭ ‬الانتخابات‭ ‬خلف‭ ‬القضبان‭ ‬بتهمة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬والتهرب‭ ‬الضريبي‭ ‬توقعت‭ ‬شخصياً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حظوظه‭ ‬كبيرة‭ ‬لسببين‭ ‬الأول‭ ‬أعماله‭ ‬الخيرية‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬غايتهم‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومعيشية،‭ ‬لذلك‭ ‬رأت‭ ‬فئة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬أن‭ ‬القروي‭ ‬جدير‭ ‬بالمقعد‭ ‬الرئاسي‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنه‭ ‬يقوم‭ ‬بما‭ ‬يتمنونه‭ ‬ممن‭ ‬سيعتلي‭ ‬كرسي‭ ‬الرئاسة‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إليه،‭ ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الآخر‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬شنت‭ ‬ضده‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬دخوله‭ ‬السجن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بالتحديد،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬انطباعا‭ ‬باضطهاد‭ ‬يطاله‭ ‬لإجباره‭ ‬على‭ ‬الانسحاب،‭ ‬وما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعاطف‭ ‬التونسيين‭ ‬معه‭.‬

ثار‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬مجدداً‭ ‬لكنه‭ ‬ثار‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بأصواته‭ ‬التي‭ ‬أودعها‭ ‬الصناديق،‭ ‬ثار‭ ‬ضد‭ ‬مترشحي‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬والأحزاب‭ ‬والقيادات‭ ‬السابقة‭ ‬واختار‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يختار‭ ‬من‭ ‬اختارهم‭ ‬سابقاً‭.‬