وَخْـزَةُ حُب

عمرك القادم أهم!

| د. زهرة حرم

عمرك‭ ‬القادم‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬أو‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬شهور‭ ‬وسنوات‭ ‬أهم‭ ‬بكثير،‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬مررت‭ ‬به‭ ‬سابقًا،‭ ‬فلا‭ ‬تقبل‭ ‬بتسخيف‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لك‭ ‬منه،‭ ‬لا‭ ‬تُمّكِّن‭ ‬ثقيلي‭ ‬الظل‭ ‬ذوي‭ ‬الطاقات‭ ‬اليابسة‭ ‬والسلبية‭ ‬من‭ ‬نفسك؛‭ ‬فيحبطوك‭ ‬أو‭ ‬يجعلوا‭ ‬منك‭ ‬تستخفّ‭ ‬أو‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬سيقبل‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬حياتك‭! ‬وأيا‭ ‬كانت‭ ‬تجاربك‭ ‬وخبراتك‭ ‬السابقة؛‭ ‬إيجابية‭ ‬أم‭ ‬لا؛‭ ‬فقد‭ ‬مضت،‭ ‬وحانت‭ ‬ساعة‭ ‬الحاضر‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستشرف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أجمل‭ ‬وأهم‭ ‬إطلالاتك‭ ‬المستقبلية‭ ‬القادمة‭.‬

فحين‭ ‬يتهامس‭ ‬بعض‭ ‬الرفاق‭ ‬–‭ ‬مثلا‭ ‬–‭ ‬بعبارات‭ ‬مفادها‭ ‬أنك‭ ‬كبرت‭ ‬أو‭ ‬بلغت‭ ‬عمرا‭ ‬متقدمًا؛‭ ‬يستوجب‭ ‬عليك‭ ‬خفض‭ ‬الجناح‭ ‬أو‭ ‬التنازل‭: ‬لا‭ ‬تقبل‭! ‬فهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬بَهتت‭ ‬طاقاتهم،‭ ‬وذوَت‭ ‬أرواحهم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬جديد؛‭ ‬سيـسحبون‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جفنيك،‭ ‬وسيـستلٌّون‭ ‬الابتسامة‭ ‬من‭ ‬شفاه‭ ‬عمرك،‭ ‬وسيدفعونك‭ ‬نحو‭ ‬الموت‭ ‬قبل‭ ‬أوانه‭! ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬زيادة‭ ‬العمر‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬الشقاء‭! ‬من‭ ‬قال‭: ‬إن‭ ‬استحقاقك‭ ‬الحياة‭ ‬يقل‭ ‬إذا‭ ‬تضاعفت‭ ‬سنواتك‭!‬

من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬تجربة‭ ‬لم‭ ‬يُكتب‭ ‬لها‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬شباب‭ ‬عمرك؛‭ ‬لا‭ ‬تؤهلك‭ ‬لتجارب‭ ‬ناجحة‭ ‬لاحقة‭!‬؟‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬ترضى‭ ‬بالزهيد،‭ ‬والرخيص،‭ ‬والموجود؛‭ ‬فقط‭ ‬لأنك‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬الخمسين‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عليها‭! ‬إنك‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬تماما‭ ‬–‭ ‬تستحق‭ ‬كل‭ ‬الحياة،‭ ‬كل‭ ‬الجمال،‭ ‬وأفضل‭ ‬الأشياء‭ ‬والأشخاص؛‭ ‬فعيونك‭ ‬اليوم‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬وتجاربك‭ ‬تؤهلك‭ ‬للتمييز‭ ‬والتدقيق،‭ ‬وأكمل‭ ‬الاختيار‭ ‬وأوفاه‭ ‬وأوسعه‭!‬

قل‭ ‬للمحبطين،‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬فلسفة‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬الحياة‭: ‬إن‭ ‬حياتك‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬البدء،‭ ‬وفي‭ ‬صفحاتها‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يستحق‭ ‬الكتابة،‭ ‬والرسم،‭ ‬والتفنن،‭ ‬والإبداع‭! ‬فامرضوا‭ ‬وحدكم،‭ ‬إذا‭ ‬أردتم،‭ ‬واتركوا‭ ‬لنا‭ ‬مساحاتنا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنقص‭ ‬بتقدم‭ ‬أعمارنا‭ ‬بل‭ ‬تزيد‭ ‬وتتسع،‭ ‬وما‭ ‬يُقلّصها‭ ‬–‭ ‬لو‭ ‬استمعنا‭ ‬إليكم،‭ ‬ولسنا‭ ‬بفاعلين‭ - ‬سوى‭ ‬أرواحكم‭ ‬المليئة‭ ‬بعبء‭ ‬تجاربكم‭ ‬الماضية،‭ ‬التي‭ ‬اخترتم‭ ‬جرّها‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬أيامكم،‭ ‬عيشوها‭ ‬إن‭ ‬شئتم،‭ ‬واتركونا‭ ‬بسلام‭ ‬آمنين،‭ ‬فنحن‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬–‭ ‬نحب‭ ‬الحياة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استطعنا‭ ‬إليها‭ ‬سبيلا‭!‬

وللحياة‭ ‬هذه‭ ‬ألف‭ ‬سبيل،‭ ‬يتوقف‭ ‬ذلك‭ ‬–‭ ‬فقط‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬اختياراتنا،‭ ‬وعلى‭ ‬قراراتنا،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬شاب‭ ‬تلّبَّس‭ ‬روح‭ ‬عجوز‭ ‬في‭ ‬التسعين،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬مُسن‭ ‬–‭ ‬حسب‭ ‬منظورنا‭ ‬الرقمي‭ ‬للعمر‭ ‬–‭ ‬طار‭ ‬بجناحيّ‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬الثلاثين‭! ‬الأمر‭ ‬إذًا‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬كونه‭ ‬اختيارا؛‭ ‬سيكون‭ ‬مسؤولا‭ ‬–‭ ‬لاحقًا‭ ‬–‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬روحك،‭ ‬إلى‭ ‬أين،‭ ‬وكيف‭ ‬ومتى‭ ‬تتجه‭! ‬فكن‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬يُحدد‭ ‬مؤشر‭ ‬بوصلة‭ ‬عمرك‭!‬

قد‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬نُخفق‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مساراتنا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مبكرة‭ ‬في‭ ‬حياتنا؛‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬المراحل‭ ‬الفتيّة‭ ‬من‭ ‬أعمارنا‭ ‬جديرة‭ ‬بفهمها‭ ‬أو‭ ‬تقييمها؛‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المراحل‭ ‬اللاحقة‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬يضبطها‭ ‬لنا؛‭ ‬فهل‭ ‬سنتنازل‭ ‬عنها؛‭ ‬بحجة‭ ‬تقدم‭ ‬العمر،‭ ‬أم‭ ‬سنتمسك‭ ‬بها،‭ ‬ونعض‭ ‬عليها‭ ‬بالنواجذ،‭ ‬وهذا‭ ‬الأصح؛‭ ‬فعمرنا‭ ‬القادم‭ ‬أهم‭!.‬