ريشة في الهواء

أنا بإجازة... وأكتب

| أحمد جمعة

نصحني‭ ‬صديق‭ ‬وأنا‭ ‬أسره‭ ‬بأنني‭ ‬في‭ ‬إجازة‭ ‬لأيام،‭ ‬وسألني‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬سأتابع‭ ‬الكتابة‭ ‬ولن‭ ‬أنقطع‭ ‬عنها‭ ‬كعادتي‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فأجبته‭ ‬بنعم،‭ ‬حينها‭ ‬نصحني‭ ‬بالتوقف‭ ‬والاستمتاع‭ ‬والاسترخاء،‭ ‬وسألني‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬وتستريح،‭ ‬فالكل‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬حقك‭ ‬بأن‭ ‬تريح‭ ‬فكرك‭ ‬وأصابعك؟‭ ‬حتى‭ ‬تعود‭ ‬بنشاط‭ ‬وحيوية‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬محقاً‭ ‬ولكن‭ ‬شعوري‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭ ‬ويصطدم‭ ‬بهذه‭ ‬النصيحة،‭ ‬فالكتابة‭ ‬والتأليف‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬ومنذ‭ ‬فطرت‭ ‬عليها،‭ ‬سواء‭ ‬كتابة‭ ‬المقالات‭ ‬أو‭ ‬الروايات،‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬تنفس‭ ‬الهواء،‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬تخيل‭ ‬الأسماك‭ ‬أن‭ ‬تحيا‭ ‬على‭ ‬اليابسة؟‭ ‬هكذا‭ ‬الكتابة‭ ‬والتأليف،‭ ‬فمنذ‭ ‬عرفت‭ ‬أصابعي‭ ‬القلم‭ ‬ثم‭ ‬لوحة‭ ‬مفاتيح‭ ‬الكيبورد‭ ‬وأنا‭ ‬متناغم‭ ‬مع‭ ‬الحروف‭ ‬والكلمات،‭ ‬وبهذا‭ ‬أعيش‭ ‬وأتنفس‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬بالقراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬لا‭ ‬أحتمل‭ ‬التوقف،‭ ‬ولا‭ ‬أطيق‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الحروف‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬لي‭ ‬فرقة‭ ‬رقص‭ ‬تحلق‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬لتستدرجك‭ ‬إلى‭ ‬إخراج‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬رأسك‭ ‬من‭ ‬أفكار،‭ ‬فالمقال‭ ‬يمثل‭ ‬صلتك‭ ‬بالقراء‭ ‬وصلاتهم‭ ‬بك،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬يشيد‭ ‬قارئ‭ ‬واحد‭ ‬بك‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقنعه‭ ‬كلماتك‭ ‬لتشعر‭ ‬بسعادة‭ ‬غامرة،‭ ‬وأحياناً‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬بردة‭ ‬فعل‭ ‬المقال‭ ‬ولا‭ ‬تداعياته،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تشعر‭ ‬أنك‭ ‬أزحت‭ ‬هماً‭ ‬من‭ ‬رأسك‭ ‬بشأن‭ ‬قضية‭ ‬عامة‭ ‬تهم‭ ‬مجتمعك‭.‬

أما‭ ‬بشأن‭ ‬الرواية،‭ ‬حيث‭ ‬اعتدت‭ ‬إصدار‭ ‬واحدة‭ ‬سنوياً،‭ ‬فهي‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬ومعقدة‭ ‬تتعلق‭ ‬بما‭ ‬أشعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شغف‭ ‬لكشف‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬نعيشه‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬بمقال‭ ‬أو‭ ‬عمود‭ ‬بجريدة،‭ ‬فالمقال‭ ‬حالة‭ ‬آنية‭ ‬تتعلق‭ ‬برؤيتك‭ ‬ككاتب‭ ‬نحو‭ ‬قضية‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬مسألة‭ ‬عامة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية،‭ ‬أما‭ ‬الرواية‭ ‬فهي‭ ‬سفر‭ ‬طويل‭ ‬بنسيج‭ ‬الخيال‭ ‬والواقع‭ ‬أو‭ ‬كليهما‭ ‬معاً‭ ‬وهذا‭ ‬يتيح‭ ‬لك‭ ‬العزلة‭ ‬وأنت‭ ‬تستدرج‭ ‬الحوادث‭ ‬وتصنع‭ ‬الوقائع‭ ‬وتعيد‭ ‬تركيبها‭ ‬لأجل‭ ‬بلوغ‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬وليس‭ ‬شرطاً‭ ‬أن‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬مجتمعك‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تكشف‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه،‭ ‬هذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للرواية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬أنقطع‭ ‬عنها‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬الكتابة‭ ‬فيها‭. ‬لهذا‭ ‬كله‭ ‬يصعب‭ ‬عَليّ‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬الكتابة،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬أكون‭ ‬بإجازة‭ ‬وتحديداً‭ ‬بالسفر،‭ ‬ففي‭ ‬الخارج‭ ‬وأنت‭ ‬أمام‭ ‬مشاهدات‭ ‬مختلفة‭ ‬ترغب‭ ‬بمشاركة‭ ‬القراء‭ ‬مشاهداتك،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاسترخاء‭ ‬يحفزك‭ ‬على‭ ‬ترتيب‭ ‬أفكارك،‭ ‬شخصياً‭ ‬أجد‭ ‬متعة‭ ‬ومسؤولية‭ ‬بعدم‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬الكتابة،‭ ‬وقد‭ ‬تعلمت‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬محببة‭ ‬لدي‭ ‬تعلمت‭ ‬منها‭ ‬الكثير،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬والأحداث‭ ‬والمواقف،‭ ‬فالتوقف‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬مثل‭ ‬التقاعد‭ ‬الذي‭ ‬أكرهه‭ ‬وأنبذ‭ ‬مفردته‭ ‬لأنه‭ ‬يشعرني‭ ‬بأن‭ ‬المرء‭ ‬تقاعد‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬واختار‭ ‬الكسل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تقاعدت‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ظرف‭ ‬لا‭ ‬يجعلك‭ ‬ذلك‭ ‬تتوقف،‭ ‬فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬تتوقف،‭ ‬تنتهي‭ ‬الحياة‭ ‬وتجمد‭ ‬في‭ ‬مكانك،‭ ‬ونصيحتي‭ ‬للصديق،‭ ‬احذر‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬عملك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬بإجازة‭.‬

 

تنويرة‭:

‬أغلبنا‭ ‬يقتبس‭ ‬الأخطاء‭ ‬لأنها‭ ‬الأسهل‭.‬