بطولات قروبات “الواتس أب”!

| سعيد محمد

لا‭ ‬بأس،‭ ‬فالمجال‭ ‬مفتوح‭ ‬لي‭ ‬وله‭ ‬ولكم‭ ‬وللجميع‭ ‬فيما‭ ‬يطرحونه‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬ورسائل‭ ‬في‭ ‬مجموعات‭ ‬“الواتس‭ ‬أب”‭ ‬صحيحة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬مكذوبة؟‭ ‬ملفقة‭ ‬أم‭ ‬حقيقية؟‭ ‬تستحق‭ ‬النشر‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬تستحق؟‭ ‬يدرك‭ ‬مرسلها‭ ‬مدى‭ ‬المنفعة‭ ‬من‭ ‬إرسالها‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬يدرك؟‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬موضة‭ ‬من‭ ‬موضات‭ ‬“الوطنية‭ ‬التجارية”‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬البعض،‭ ‬فيظهر‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وحين‭ ‬في‭ ‬مظهر‭ ‬المحذر‭ ‬المدافع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬تارة،‭ ‬والمهدد‭ ‬بالويل‭ ‬والثبور‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويحارب‭ ‬طواحين‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬“دونكيشوتية”‭ ‬مضحكة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬استهزائية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬المعلقين‭ ‬على‭ ‬رسائله‭..‬

هنا،‭ ‬تبدو‭ ‬شطحات‭ ‬“الأبطال”‭ ‬مثيرة‭ ‬للشفقة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإدراك‭ ‬والوعي‭ ‬لديهم،‭ ‬فهذا‭ ‬ينقل‭ ‬صور‭ ‬شاشة‭ ‬جواله‭ ‬بـ‭ ‬“كبتشرات”‭ ‬من‭ ‬تويتر‭ ‬وانستغرام‭ ‬ومواقع‭ ‬بمعلومات‭ ‬مليئة‭ ‬بالكذب‭ ‬والتزوير‭ ‬والفبركات‭ ‬ويعتبرها‭ ‬“جهدًا‭ ‬لتنوير‭ ‬الناس‭ ‬وتعريفهم”،‭ ‬وآخر‭ ‬ينتقي‭ ‬ويستقبل‭ ‬ويرسل‭ ‬روابط‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬إلكترونية‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬“لا‭ ‬مصداقية‭ ‬ولا‭ ‬مهنية‭ ‬ولا‭ ‬موثوقية‭ ‬لديها”‭ ‬ويكثف‭ ‬إرسالها‭ ‬دون‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أكاذيب‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬لغطًا‭ ‬و”شوشرة”‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ويعلق‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬رسالة‭ ‬باستعدادهم‭ ‬التام‭ ‬والكامل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لكشف‭ ‬المؤامرات‭ ‬وتحذير‭ ‬الناس‭ ‬وإطلاعهم‭ ‬على‭ ‬الخطير‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬بل‭ ‬يصيغ‭ ‬عبارات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التهيؤ‭ ‬لبطولات‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬الحروب‭ ‬والنيل‭ ‬من‭ ‬الأعداء‭ ‬والحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهم،‭ ‬ويختار‭ ‬آخر‭ ‬عبارات‭ ‬شديدة‭ ‬اللهجة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬“الفرقعات”‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ :‬”ترى‭ ‬أنا‭ ‬موجود‭ ‬وعلى‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭.. ‬لا‭ ‬تخافون‭ ‬ولا‭ ‬تحاتون‭!‬”‭.. ‬ولكما‭ ‬صدمته‭ ‬الآذان‭ ‬الصماء‭ ‬والعيون‭ ‬العمياء‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬فرقعاته‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬البعض‭ ‬يستخدم‭ ‬عبارة‭ :‬”كما‭ ‬وصلني”‭.. ‬وكأن‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬“رخصة‭ ‬شرعية‭ ‬وقانونية‭ ‬وإبراء‭ ‬ذمة”،‭ ‬فيكفي‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬إرسال‭ ‬المواد‭ ‬المكذوبة‭ ‬أو‭ ‬المعلومات‭ ‬المزيفة‭ ‬أو‭ ‬الصور‭ ‬المفبركة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو،‭ ‬وحين‭ ‬يلقى‭ ‬عتبًا‭ ‬أو‭ ‬تصحيحًا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أحد‭ ‬يرد‭ ‬بعبارة‭: ‬“كما‭ ‬وصلني”‭! ‬والحال،‭ ‬أنه‭ ‬هنا‭ ‬يريد‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عقله‭ ‬“مكب‭ ‬نفايات‭ ‬كيفما‭ ‬وأينما‭ ‬وريثما‭ ‬وحالما‭ ‬تصله‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات”،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصنف،‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬الكثير‭ ‬وفق‭ ‬تجاربهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجموعات،‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭ ‬ولا‭ ‬يصحح‭ ‬أسلوبه،‭ ‬بل‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬“سبق‭ ‬الأكاذيب”‭.‬

زبدة‭ ‬القول،‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬يدنا‭ ‬أجهزة‭ ‬تضع‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أمام‭ ‬عيوننا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭.. ‬سيل‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬والمواد،‭ ‬لكن‭ ‬جدار‭ ‬الأمان‭ ‬والصد‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الوعي‭.. ‬والأخطر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬تتفاجأ‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬تظن‭ ‬فيهم‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة‭ ‬والعلم،‭ ‬وهم‭ ‬يداومون‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬الأكاذيب‭.. ‬الفلتر‭ ‬خراب‭ ‬حده‭.‬