قهوة الصباح

عضلات الاقتصاد العالمي و“جِم” أثقال المديونية

| سيد ضياء الموسوي

هل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬ناجح‭ ‬وأحد‭ ‬إبداعات‭ ‬البشرية‭ ‬مع‭ ‬انتفاخ‭ ‬المديونية،‭ ‬وتفريخ‭ ‬أباطرة‭ ‬المال،‭ ‬وتكاثر‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬الفقراء‭ ‬وتزايد‭ ‬سلالات‭ ‬المهمشين‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية؟‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬عظيما،‭ ‬ومتقدما‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭ ‬الصيني‭ ‬وهو‭ ‬يرزح‭ ‬تحت‭ ‬سلاسل‭ ‬المديونية‭ ‬المخيفة،‭ ‬أو‭ ‬كبريات‭ ‬اقتصادات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬كفرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬وهي‭ ‬تعاني‭ ‬المديونية،‭ ‬وتباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬أحيانا،‭ ‬والبطالة،‭ ‬وبنظام‭ ‬ضريبي‭ ‬قاسٍ‭ ‬يقلل‭ ‬سعادة‭ ‬الناس‭ ‬خلافا‭ ‬للشعارات‭ ‬المرفوعة؟‭ ‬والسؤال‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكبريت‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬المديونية،‭ ‬فهل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬ورق؟‭ ‬

الذي‭ ‬يسبح‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬سيكتشف‭ ‬حجم‭ ‬حيتان‭ ‬المال‭ ‬المفترسة،‭ ‬ومدى‭ ‬تكاثر‭ ‬أسماك‭ ‬القرش‭ ‬أمام‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬أسماك‭ ‬الزينة‭ ‬الغلابة‭. ‬هناك‭ ‬طوفان‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬قادم‭ ‬بلاشك،‭ ‬ولكن‭ ‬متى‭ ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬سينطلق؟‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬سينبئه‭ ‬لنا‭ ‬التاريخ‭. ‬والسؤال‭: ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬التسونامي‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬الصين،‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬هيكله‭ ‬حال‭ ‬اهتزاز‭ ‬بسبب‭ ‬تباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬وتكدس‭ ‬براميل‭ ‬المديونية،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬نية‭ ‬بريطانيا‭ ‬العيش‭ ‬بخيمتها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬مظلة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬ذي‭ ‬الامتيازات‭ ‬الجمركية‭ ‬الذهبية‭. ‬فبريطانيا‭ ‬تنوي‭ ‬النوم‭ ‬خارج‭ ‬فندق‭ ‬اليورو،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تأكل‭ ‬من‭ ‬صحون‭ ‬كل‭ ‬امتيازات‭ ‬الوليمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭. ‬

في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬دول‭ ‬أغرتنا‭ ‬بترديد‭ ‬أسطوانية‭ (‬الاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭)‬،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬روج‭ ‬له‭ ‬آدم‭ ‬سميث،‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬قبال‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬أو‭ ‬المتخلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تزيل‭ ‬الألبسة‭ ‬الحريرية‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬جسد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬تكتشف‭ ‬حجم‭ ‬القروح،‭ ‬وأن‭ ‬الجسد‭ ‬متهرئ،‭ ‬وينخر‭ ‬فيه‭ ‬سوس‭ ‬الديون،‭ ‬وقابل‭ ‬لعدة‭ ‬جلطات‭ ‬اقتصادية‭. ‬هل‭ ‬هي‭ ‬أزمة‭ ‬جشع‭ ‬حكومات‭ ‬أو‭ ‬توريط‭ ‬مستشارين‭ ‬أنانيين‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬أزمة‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬الابستمولوجيا‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭ ‬يحتاج‭ ‬تصليحا‭ ‬في‭ ‬مفاهيمه‭. ‬أمريكا‭ ‬تمشي‭ ‬وعلى‭ ‬ظهرها‭ ‬دين‭ ‬عام‭ ‬تجاوز‭ ‬22‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭. ‬الصين‭ ‬تمشي‭ ‬وتجر‭ ‬خلفها‭ ‬عربة‭ ‬من‭ ‬الديون،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬معهد‭ ‬التمويل‭ ‬الدولي‭ ‬إن‭ ‬إجمالي‭ ‬ديون‭ ‬الصين‭ ‬تجاوزت‭ ‬303‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬2019‭. ‬والصين‭ ‬مثقلة‭ ‬بالديون‭ ‬حكومة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬وأفرادا‭. ‬وأي‭ ‬اهتزاز‭ ‬ستضرب‭ ‬تداعياته‭ ‬كل‭ ‬العالم‭. ‬فهل‭ ‬نحن‭ ‬كدول‭ ‬أعددنا‭ ‬خطة‭ ‬عند‭ ‬انفجار‭ ‬أي‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬عالمية‭ ‬؟وكلا‭ ‬الماردين،‭ ‬الأمريكي‭ ‬والصيني‭ ‬يتصارعان،‭ ‬والذي‭ ‬سيدفع‭ ‬الثمن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬خصوصا‭ ‬الطبقات‭ ‬الفقيرة‭. ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬اقتصاد‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬العملاقة‭ ‬مرورا‭ ‬ببريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬وليس‭ ‬انتهاء‭ ‬باليونان‭ ‬تعاني‭ ‬بقعا‭ ‬سوداء،‭ ‬وبثورا‭ ‬اقتصادية‭ ‬تطفح‭ ‬على‭ ‬جسدها،‭ ‬وهيكلها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وكلها‭ ‬مديونة‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬وعندما‭ ‬حاول‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬التحرش‭ ‬ببعض‭ ‬امتيازات‭ ‬المواطن‭ ‬الفرنسي‭ ‬بسياسة‭ ‬ترشيد‭ ‬الإنفاق‭ ‬انفجرت‭ ‬حركة‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭. ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬للبعد‭ ‬النفسي‭ ‬والسوسيولوجي‭ (‬الاجتماعي‭) ‬للأزمات‭. ‬العالم‭ ‬على‭ ‬كف‭ ‬عفريت،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬يستحم‭ ‬على‭ ‬فوهة‭ ‬الجحيم‭ ‬الآن،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬للآن‭ ‬لم‭ ‬يتعاف‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬2008‭ ‬نهائيا‭. ‬وكل‭ ‬الخوف‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬سيقاد‭ ‬إلى‭ ‬المسلخ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭ ‬هي‭ ‬إيطاليا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذاقت‭ ‬إسبانيا‭ ‬واليونان‭ ‬وأيرلندا‭ ‬ذات‭ ‬الأفلام‭ ‬المرعبة‭ ‬ومازالوا‭ ‬يعانون‭ ‬ألما‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬الاقتصادية‭. ‬والسؤال‭: ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬النظرية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬متكاملة‭ ‬أو‭ ‬ناجحة،‭ ‬وهي‭ ‬مثقلة‭ ‬بسلاسل‭ ‬القيود،‭ ‬ولا‭ ‬تنتج‭ ‬إلا‭ ‬الأزمات؟‭ ‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬بمقالي‭ ‬كغيري،‭ ‬أدق‭ ‬الأجراس‭ ‬لنا‭ ‬كدول،‭ ‬وشركات،‭ ‬وأفراد،‭ ‬انتبهوا‭ ‬للقادم‭. ‬

كنت‭ ‬أدعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬عملة‭ ‬احتياط‭ ‬في‭ ‬الاصدقاء،‭ ‬والصحة،‭ ‬والعاطفة‭ ‬والدين‭ ‬عبر‭ ‬نظرية‭ ‬كوكتيل‭ ‬الحياة،‭ ‬الآن‭ ‬أدعو‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬احتياطا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أيضا‭. ‬خذ‭ ‬كل‭ ‬احتياطاتك،‭ ‬لا‭ ‬تورطوا‭ ‬أنفسكم‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬القروض‭ ‬أو‭ ‬البطاقات‭ ‬الائتمانية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مفاتن‭ ‬القروض،‭ ‬والبطاقات‭ ‬الائتمانية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬البنوك‭ ‬مغرية،‭ ‬وتدعوك‭ ‬للزواج‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬مضطرا،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تدرس‭ ‬فن‭ ‬إدارة‭ ‬المال،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬المال‭ ‬قليلا‭. ‬

أنتم‭ ‬أمام‭ ‬عالم‭ ‬كارثي‭ ‬بامتياز،‭ ‬عالم‭ ‬يُبنئ‭ ‬بالمديونية‭ ‬القاتلة‭. ‬العالم‭ ‬مديون‭ ‬حد‭ ‬النخاع،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إن‭ ‬مستويات‭ ‬الدين‭ ‬العالمي‭ ‬سجلت‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭ ‬بلغ‭ ‬182‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2017،‭ ‬فكيف‭ ‬هو‭ ‬اليوم؟‭ ‬مبلغ‭ ‬مرعب،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك،‭ ‬نجد‭ ‬عمليات‭ ‬التحرش‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬القطبين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والصيني‭. ‬هل‭ ‬تعلمون‭ ‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬للإسبانيين‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ (‬2008-الى‭ ‬2014‭) ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬تشرد‭ ‬الناس،‭ ‬وفقدوا‭ ‬منازلهم،‭ ‬ووظائفهم‭ ‬وأغلقت‭ ‬شركات‭ ‬وبعضها‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬فيلة‭ ‬بيضاء‭. ‬

هناك‭ ‬فقاعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ستنفجر،‭ ‬وستلحقها‭ ‬أزمات،‭ ‬والذكي‭ ‬من‭ ‬يشتغل‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬المناعة‭ ‬الككتيلية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والقلب‭ ‬والجسم‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬واجتماعيا‭. ‬إن‭ ‬الهجوم‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬والذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬أرامكو‭ ‬في‭ ‬بقيق‭ ‬وخريص‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬خطير،‭ ‬وإرهاب‭ ‬مدان‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس،‭ ‬ولا‭ ‬يظن‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬المتضرر‭ ‬به‭ ‬فقط‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬والعربي‭ ‬والخليجي‭ . ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬كمواطنين‭ ‬صفا‭ ‬واحدا‭ ‬مع‭ ‬قيادتنا‭ ‬في‭ ‬المؤازرة‭ ‬الخليجية،‭ ‬والعالمية‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬سياسة‭ ‬واقتصادا‭ ‬وأمنا‭.‬