ريشة في الهواء

شتان بين الثرى والثريّا

| أحمد جمعة

رغم‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬ورغم‭ ‬بعض‭ ‬الثغرات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬التي‭ ‬أخفق‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الماليين‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بمساراتها،‭ ‬تظل‭ ‬عجلة‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬مستمرة‭ ‬بوتيرة‭ ‬لا‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬أو‭ ‬تراجع‭ ‬بمشاريع‭ ‬الدولة‭ ‬المختلفة‭ ‬بكل‭ ‬القطاعات،‭ ‬فأعمال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬قائمة،‭ ‬ورواتب‭ ‬الموظفين‭ ‬والمتقاعدين‭ ‬تصرف‭ ‬بأوقاتها‭ ‬المعتادة‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬ولا‭ ‬تأخر‭ ‬بدقيقة‭ ‬واحدة،‭ ‬كل‭ ‬الوزارات‭ ‬والهيئات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬تقوم‭ ‬بعملها‭ ‬الروتيني‭ ‬المعتاد،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬طبيعية‭ ‬بالعالم‭ ‬لا‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬أزمة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الإنجاز،‭ ‬والديناميكية‭ ‬التي‭ ‬تتصف‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬الناجحة‭.‬

هذه‭ ‬الديباجة‭ ‬المختزلة،‭ ‬تأتي‭ ‬فقط‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الموتورين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬بدول‭ ‬فاشلة،‭ ‬ولا‭ ‬يتوانون‭ - ‬ويا‭ ‬للسخرية‭ - ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬سهامهم‭ ‬للبحرين،‭ ‬أمثال‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وأمينه‭ ‬العام‭ ‬نصرالله‭ ‬الذي‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬مهاجمة‭ ‬البحرين‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬بالوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أن‭ ‬رواتب‭ ‬حزبه‭ ‬ورواتب‭ ‬دولته،‭ ‬بل‭ ‬رواتب‭ ‬محوره‭ ‬إيران‭ ‬ذاتها‭ ‬باتت‭ ‬كلها‭ ‬رواتب‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬“المعلقة‭ ‬ومنتهية‭ ‬الصلاحية”،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬العام،‭ ‬لو‭ ‬وضعت‭ ‬بجانبه‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لرأيت‭ ‬شتان،‭ ‬بين‭ ‬الثرى‭ ‬والثريّا‭.‬

وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬عند‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬احتلوا‭ ‬العراق‭ ‬الغني،‭ ‬وأفلسوه‭ ‬وعاثوا‭ ‬فيه‭ ‬فساداً‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬أغنى‭ ‬دولة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬أصبح‭ ‬العراقي‭ ‬اليوم‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬الأرصفة‭ ‬منتظراً‭ ‬المعجزة،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تخجل‭ ‬زمر‭ ‬الميليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬انتقاد‭ ‬البحرين،‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬إنجازات‭ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬مواردها‭ ‬ما‭ ‬يعتبر‭ ‬بحكم‭ ‬المعجزة،‭ ‬عكس‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الميليشيات‭ ‬وتفتقد‭ ‬أبسط‭ ‬مظاهر‭ ‬الدول‭ ‬العصرية،‭ ‬ومن‭ ‬أبسطها‭ ‬رواتب‭ ‬موظفيها‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬بالشهور‭ ‬لاستلامها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يخجلون‭ ‬من‭ ‬شتم‭ ‬البحرين‭.‬

كنت‭ ‬دائماً‭ ‬أقول‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وقد‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬توجهاً‭ ‬لأن‭ ‬مجرد‭ ‬الرد‭ ‬عليهم‭ ‬يشعرهم‭ ‬بأهميتهم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنك‭ ‬مهما‭ ‬قارنت‭ ‬بين‭ ‬وضعك‭ ‬بالثريّا‭ ‬ووضعهم‭ ‬بالثرى،‭ ‬فلن‭ ‬يخجلوا‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬ذرة‭ ‬حياء،‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تقارنهم‭ ‬بشيء‭ ‬سوى‭ ‬رؤيتك‭ ‬لبلادك‭ ‬تصعد‭ ‬وتنهض‭ ‬وتتقدم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬للبحرين‭ ‬التي‭ ‬توهموا‭ ‬إسقاطها‭ ‬بعام‭ ‬2011‭ ‬وتوقعوا‭ ‬عجزها‭ ‬وفشلها‭ ‬بالسنوات‭ ‬اللاحقة،‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬تنهض‭ ‬وتبلغ‭ ‬الثريّا‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬العوائق‭ ‬والأزمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬المصاعب‭ ‬والتحديات،‭ ‬بينما‭ ‬انحدروا‭ ‬هم‭ ‬ودولهم‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إيران‭ ‬للحضيض‭.‬

نحن‭ ‬ننتقد‭ ‬مؤسسات‭ ‬بلادنا‭ ‬وننتقد‭ ‬المسؤولين‭ ‬لأدائهم‭ ‬وليس‭ ‬لشخصياتهم،‭ ‬وننتقد‭ ‬المظاهر‭ ‬السلبية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الأفضل‭ ‬لشعبنا‭ ‬وأجيالنا،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬وفاؤنا‭ ‬وولاؤنا‭ ‬لترابها‭ ‬وقيادتها‭ ‬وشعبها‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬اعتبار،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬ناجحة‭ ‬ودولة‭ ‬فاشلة‭ ‬تعجز‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬الرواتب‭.‬

تنويرة‭:

‬السباق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬عنه‭ ‬شيئا،‭ ‬لا‭ ‬تراهن‭ ‬عليه‭.‬