قهوة الصباح

خطورة تغذية الوحش في الحب والسياسة والاقتصاد

| سيد ضياء الموسوي

في‭ ‬الحب‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬عندما‭ ‬تربي‭ ‬وحشا‭ ‬سياتي‭ ‬يوم‭ ‬وتفقد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭. ‬وليس‭ ‬أخطر‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬وحش‭ ‬تغذى‭ ‬على‭ ‬القلوب‭ ‬المحطمة،‭ ‬والأحاسيس‭ ‬المحترقة،‭ ‬والأكثر‭ ‬ألما‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬قلبك‭ ‬هو‭ ‬ذات‭ ‬الوح‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬القلب‭ ‬الغبي‭ ‬الذي‭ ‬تعلم‭ ‬الأكل‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬مشتهاة‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬معين،‭ ‬يكره‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬غيرها‭. ‬

إنه‭ ‬يرفض‭ ‬قبول‭ ‬شفاه‭ ‬غير‭ ‬شفاه‭ ‬ذات‭ ‬الفاكهة‭ ‬أو‭ ‬استطعام‭ ‬مذاق‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬المذاق‭ ‬رغم‭ ‬وفرة‭ ‬المزارع‭ ‬وتنوع‭ ‬الفواكه‭!!. ‬قلبك‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬الكلب،‭ ‬يبقى‭ ‬وفيا‭ ‬حتى‭ ‬لمعذبه‭. ‬نعم‭ ‬عندما‭ ‬تربي‭ ‬بدلالك‭ ‬وبفيض‭ ‬الاعتناء‭ ‬وحشا‭ ‬في‭ ‬مزرعة‭ ‬الحب‭ ‬لا‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تثمر‭ ‬المزرعة‭ ‬عصفور‭ ‬جنة‭ ‬أو‭ ‬حمامة‭ ‬تتبادل‭ ‬معك‭ ‬الهديل‭ ‬والقبل‭!! ‬نعم‭ ‬سيكون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬حسابك،‭ ‬الحب،‭ ‬المال،‭ ‬والحنان،‭ ‬إلا‭ ‬الألم‭ ‬والوجع‭ ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬حسابه‭. ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬لك‭ ‬دوران‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما‭: ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الوحش‭ ‬أو‭ ‬الدمية،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬العاشق‭ ‬المتعلق‭ ‬هو‭ ‬الدمية‭ ‬التي‭ ‬يلهو‭ ‬بها‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬الصغير‭ ‬المدلل‭. ‬إنها‭ ‬عالم‭ (‬ديزلاند‭) ‬الحب‭. ‬ففي‭ ‬ديزلاند‭ ‬الحب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتقبل‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فالحب‭ ‬مثل‭ ‬شخصين‭ ‬على‭ ‬أرجوحة‭ ‬حين‭ ‬يرتفع‭ ‬أحدهم،‭ ‬يهبط‭ ‬الآخر‭. ‬

والحب‭ ‬كما‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تتحوط‭ ‬بالعملات‭ ‬الصعبة‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬عندما‭ ‬تنهار‭ ‬عملتك‭ ‬مع‭ ‬الحبيب،‭ ‬وكل‭ ‬حياتك‭ ‬مرهونة‭ ‬بمدى‭ ‬ذكاء‭ ‬مصرفك‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عقلك‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬مدى‭ ‬نمو‭ ‬نبضك‭ ‬كل‭ ‬ربع‭ ‬من‭ ‬سنتك‭. ‬النمو‭ ‬السريع‭ ‬والأداء‭ ‬الجيد،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬ممن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مورد‭ ‬واحد‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التنويع‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحبيب‭ (‬نفطك‭ ‬الخام‭) ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬فأنت‭ ‬خليجي‭ ‬الطباع،‭ ‬إذا‭ ‬رهنت‭ ‬كل‭ ‬حياتك‭ ‬بمورد‭ ‬واحد،‭ ‬فستعاني‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تهزك‭ ‬وحجم‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬سيكبدك‭ ‬إياه،‭ ‬وحجم‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬قلبك،‭ ‬ومشاعرك،‭ ‬وهروب‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬للاستثمار‭ ‬الناجح‭ ‬مع‭ ‬علاقتك‭. ‬بحرينيًا،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬توصيات‭ ‬القيادة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬اقتصاد‭ ‬متنوع‭ ‬قوي‭ ‬وعلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمل‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬التوصية‭. ‬عندما‭ ‬أطرح‭ ‬كوكتيل‭ ‬الحياة‭ ‬كعلاج‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬كذلك‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬نحتاج‭ ‬كوكتيلا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والصيني‭ ‬والياباني،‭ ‬والألماني،‭ ‬ولو‭ ‬مصغرا‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬السنغفورية‭ ‬التي‭ ‬تشبهنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ونستطيع‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭. ‬

كي‭ ‬ينمو‭ ‬الخليج‭ ‬اقتصاديا‭ ‬يجب‭ ‬الإجماع‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬قطاع‭ ‬صناعي‭ ‬ضخم‭ ‬متنوع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬أما‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬وغيرها،‭ ‬فتعتبر‭ ‬إكسسوارات‭ ‬مالية‭ ‬أمام‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬مثل‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬والطائرات،‭ ‬والسفن‭... ‬إلخ‭. ‬أقول،‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كما‭ ‬الحب‭ ‬عندما‭ ‬تربي‭ ‬وحشا‭ ‬سيأتي‭ ‬يوم‭ ‬وتفقد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭. ‬ووحوش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المنتفخون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصلحة‭ ‬الدول،‭ ‬بل‭ ‬البشرية‭ ‬هم‭ ‬بلاؤنا،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أكثر‭ ‬وحوش‭ ‬المال‭ ‬تتكاثر‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬والمصرفي‭ ‬والمؤسسات‭ ‬البنكية،‭ ‬هؤلاء‭ ‬ما‭ ‬يهمهم‭ ‬الربح‭ ‬ولو‭ ‬خلف‭ ‬أزمة‭ ‬عالمية‭ ‬تلقي‭ ‬بملايين‭ ‬البشر‭ ‬بأطفالهم‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬بلا‭ ‬مسكن‭ ‬ولا‭ ‬وظيفة‭ ‬ولا‭ ‬طعام‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬التوسط‭ ‬وأوروبا‭ ‬ضحايا‭ ‬عادة‭ ‬السياسة‭ ‬المالية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭. ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬أزمة‭ ‬1929‭ ‬وأزمة‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬وأزمة‭ ‬النمور‭ ‬الآسيوية‭ ‬والأشرس‭ ‬أزمة‭ ‬2008‭ ‬التي‭ ‬سببت‭ ‬بانهيار‭ ‬19‭ ‬بنكا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وخسر‭ ‬حوالي‭ ‬8‭.‬7‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬أمريكي‭ ‬وظائفهم‭. ‬والسؤال‭:‬‭ ‬كيف‭ ‬تتكرر‭ ‬الأزمات‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬الدرس؟‭ ‬تتكرر؛‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬جشعا،‭ ‬وطمعا‭ ‬ومنتفعين‭. ‬مادام‭ ‬هناك‭ ‬ربح‭ ‬خاص‭ ‬وشخصي‭ ‬لديناصورات‭ ‬مال،‭ ‬فلتذهب‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم‭. ‬المشكلة‭ ‬عندنا‭ ‬نظام‭ ‬مالي‭ ‬عالمي‭ ‬متوحش،‭ ‬ويفرخ‭ ‬وحوشا،‭ ‬فلا‭ ‬تتعجب‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬أزمات‭ ‬متوحشة‭.‬

كما‭ ‬قال‭ ‬خبير‭ ‬اقتصادي‭: (‬إن‭ ‬قيادات‭ ‬العالم‭ ‬المالي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬إلا‭ ‬مصالحها‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬والأزمة‭ ‬التجارية‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين‭ ‬نحن‭ ‬سندفع‭ ‬ثمنها‭ ‬لاحقا‭. ‬قيادات‭ ‬العالم‭ ‬المالي‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬الصورة‭ ‬الكبرى،‭ ‬ولعل‭ ‬اكبر‭ ‬مشكلة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬وربما‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القيادات‭ ‬تقرأ‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مصالحها‭. ‬ولن‭ ‬يتغيروا‭ ‬لأن‭ ‬النظام‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الأفراد،‭ ‬النظام‭ ‬يجعلهم‭ ‬هكذا‭ ‬متوحشين‭. ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬المدفوع‭ ‬بمنطق‭ ‬الربح،‭ ‬وتعظيم‭ ‬المنافع‭ ‬الشخصية‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬قيم‭ ‬تتصل‭ ‬بالمستقبل‭ ‬البشري‭ ‬ينتج‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المدراء‭). ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الخطر‭ ‬على‭ ‬العالم‭. ‬إن‭ ‬وحوش‭ ‬المال‭ ‬هم‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭. ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬وحوش‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬نربيها،‭ ‬فيكفي‭ ‬أن‭ ‬نطل‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فوحوشها‭ ‬خلفت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬مليون‭ ‬قتيل‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬الجرحى‭ ‬والقتلى‭ ‬والأرامل‭. ‬حاذر‭ ‬من‭ ‬تغذية‭ ‬وحشك‭ ‬الخاص‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭.‬