لا حسين إلا الحسين

| خالد عبدالعزيز النزر

منذ‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬1920م‭ ‬وإعلان‭ ‬الدولة،‭ ‬كانت‭ ‬المجالس‭ ‬التمثيلية‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬الطوائف،‭ ‬ثم‭ ‬عند‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬إبان‭ ‬الاستقلال‭ ‬عام‭ ‬1943م‭ ‬تم‭ ‬توزيع‭ ‬الرئاسات‭ ‬الثلاث‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأساس،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬عرفي،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬95‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬كانت‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الطائفية‭ ‬مؤقتة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬استمرت‭ ‬وتجددت‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬أحداث‭ ‬1956م‭ ‬أو‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬1975م‭. ‬ورغم‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الحرية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفكرية‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬ووجود‭ ‬أشكال‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬التوزيع‭ ‬ظل‭ ‬آفة‭.‬

المنطقة‭ ‬بأكملها‭ ‬تعاني،‭ ‬وكذلك‭ ‬أجزاء‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬تظهر‭ ‬عليها‭ ‬اليوم‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية،‭ ‬وأبرز‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬عن‭ ‬إشكالات‭ ‬الهوية‭ ‬وتعارضاتها‭ ‬كانوا‭ ‬لبنانيين‭ ‬أيضاً،‭ ‬نظراً‭ ‬للحالة‭ ‬المبكرة‭ ‬واستشعارهم‭ ‬الخطر،‭ ‬مثل‭ ‬مهدي‭ ‬عامل،‭ ‬وحسين‭ ‬مروة،‭ ‬وأمين‭ ‬معلوف‭. ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬متجدد‭ ‬فهو‭ ‬كذلك‭ ‬متبدل،‭ ‬فبعد‭ ‬التناحر‭ ‬المسلم‭ ‬المسيحي‭ ‬يتصدر‭ ‬اليوم‭ ‬التدافع‭ ‬السني‭ ‬الشيعي‭ ‬كجزء‭ ‬مما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬الإقليم،‭ ‬وتنقسم‭ ‬عليهما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬باقي‭ ‬الطوائف‭ ‬كالمسيحيين‭ ‬والدروز‭ ‬وغيرهم‭.‬

في‭ ‬ليلة‭ ‬عاشوراء‭ ‬أكد‭ ‬أمين‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬موقف‭ ‬حزبه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬دخلت‭ ‬إيران‭ ‬حرباً‭ ‬وقال‭: ‬“هذا‭ ‬مخيمنا‭ ‬وهذا‭ ‬إمامنا‭ ‬وهذا‭ ‬قائدنا‭ ‬وهذا‭ ‬حسيننا،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬للحياد‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬الحسين‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬يزيد”‭. ‬ووصف‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬كالعادة‭ ‬بالإمام‭ ‬والولي‭ ‬والسيد‭ ‬القائد،‭ ‬لكن‭ ‬الجديد‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬هو‭ ‬وصفه‭ ‬بحسين‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭! ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬ومعاشاته‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬يصرف‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬–‭ ‬باعترافه‭ - ‬وهو‭ ‬بالتالي‭ ‬مرتبط‭ ‬وجودياً‭ ‬وعضوياً‭ ‬بإيران،‭ ‬وصحيح‭ ‬أنه‭ ‬حزب‭ ‬عقدي‭ ‬مذهبي‭ ‬وليس‭ ‬مستغرباً‭ ‬اعتباره‭ ‬قائده‭ ‬وسيده‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬أنه‭ ‬الحسين،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬معه‭ ‬فهو‭ ‬مع‭ ‬يزيد،‭ ‬لكن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يشعر‭ ‬بالاختناق‭ ‬المتزايد‭ ‬وكذلك‭ ‬جميع‭ ‬أذرعه،‭ ‬وأن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬يشكل‭ ‬منصة‭ ‬متقدمة‭ ‬للمشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية‭ ‬القتالية،‭ ‬وكذلك‭ ‬التدريبية‭ ‬حيث‭ ‬تدرب‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬التنظيمات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬والخليج‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬كذلك‭ ‬يعتبر‭ ‬الحزب‭ ‬المنصة‭ ‬الإعلامية‭ ‬العربية‭ ‬الرئيسة‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬ومواليه،‭ ‬والضاحية‭ ‬تحتضن‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الاستوديوهات‭ ‬التي‭ ‬تُصوّر‭ ‬فيها‭ ‬برامج‭ ‬قنوات‭ ‬مثل‭ ‬العالم‭ ‬والمنار‭ ‬والميادين‭ ‬والمسيرة‭ ‬الحوثية‭ ‬ونبأ،‭ ‬واللؤلؤة‭ ‬وغيرها‭.‬

تجيير‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬وعشق‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬الشيعي‭ ‬لصالح‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬هو‭ ‬منهجية‭ ‬ناجحة‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬منذ‭ ‬استيلائه‭ ‬على‭ ‬الثورة،‭ ‬وهي‭ ‬منهجية‭ ‬مشابهة‭ ‬لجميع‭ ‬تنظيمات‭ ‬وخطابات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬ودفع‭ ‬الجمهور‭ ‬وتخييرهم‭ ‬بين‭ ‬الحسين‭ ‬ويزيد‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬الإلهي‭ ‬والباطل،‭ ‬يذكرنا‭ ‬بتقسيم‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬للعالم‭ ‬إلى‭ ‬فسطاطي‭ ‬الإيمان‭ ‬والكفر‭. ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطائفيين‭ ‬المتعصبين‭ ‬الذين‭ ‬تستقطبهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الثنائيات،‭ ‬وهناك‭ ‬أكثر‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬الدراويش‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬ممثلاً‭ ‬حصرياً‭ ‬للإسلام،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬تسييس‭ ‬صارخ‭ ‬للمذهب،‭ ‬وأن‭ ‬الناس‭ ‬أحرار‭ ‬في‭ ‬خياراتهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬السياسية،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬اليوم‭ ‬دولة‭ ‬دينية‭ ‬وكيلة‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬دينها‭ ‬ومذهبها‭ ‬ومتبنياتها‭ ‬وشعاراتها،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حسين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مقامه‭ ‬ومنزلته‭ ‬إلا‭ ‬الحسين‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭.‬

“تجيير‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬لصالح‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬منهجية‭ ‬ناجحة‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬وهي‭ ‬منهجية‭ ‬مشابهة‭ ‬لجميع‭ ‬تنظيمات‭ ‬وخطابات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي”‭.‬