قهوة الصباح

خطورة الفقاعة في الحب والسياسة والاقتصاد (35)

| سيد ضياء الموسوي

كل‭ ‬شيء‭ ‬تبالغ‭ ‬فيه‭ ‬سيتحول‭ ‬إلى‭ ‬فقاعة‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬تنفجر‭ ‬في‭ ‬وجهك‭. ‬قلبك‭ ‬إذا‭ ‬انتفخ‭ ‬بوهم‭ ‬الحب‭ ‬سيتحول‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬فقاعة‭ ‬ستنفجر،‭ ‬وأنت‭ ‬ستبقى‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المتنبي‭ (‬كريشة‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬الريح‭ ‬ساقطة‭.. ‬لا‭ ‬تستقر‭ ‬على‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬القلقِ‭). ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بإنتاجية‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬وحب‭ ‬الحياة‭ ‬ولم‭ ‬تعتمد‭ ‬كوكتيل‭ ‬الحياة‭ ‬ستجد‭ ‬نفسك‭ ‬كاقتصاد‭ ‬الأرجنتين،‭ ‬مثقل‭ ‬بالديون‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬ذكريات،‭ ‬وشاحب‭ ‬بلا‭ ‬روح،‭ ‬ويلعب‭ ‬بحياتك‭ ‬الآخرون‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬سياسيو‭ ‬البرازيل‭. ‬ستظل‭ ‬تعاني‭ ‬تداعياتها‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬أوجاعك،‭ ‬وتضخم‭ ‬فؤادك،‭ ‬وبطالة‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬مشاعرك،‭ ‬وهبوط‭ ‬في‭ ‬عملة‭ ‬حبك،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يريد‭ ‬يشتري‭ ‬هذه‭ ‬العملة؛‭ ‬لأن‭ ‬حبك‭ ‬سيصبح‭ ‬رخيصا‭ ‬مجرد‭ ‬ورق‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭. ‬الحب‭ ‬كما‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أن‭ ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬لرفع‭ ‬نموه‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭ ‬ستظل‭ ‬تعاني‭. ‬إذا‭ ‬وجدت‭ ‬نفسك‭ ‬تشتاق‭ ‬للحبيب‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنك‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬سيكولوجي‭. ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬دائما‭ ‬تذهب‭ ‬لمحرقة‭ ‬ذكرياتك‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬لتذرف‭ ‬دموعك‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬دخان‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬رماد‭ ‬الذكريات،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنك‭ ‬تحب‭ ‬تمثيل‭ ‬دور‭ ‬الضحية،‭ ‬وإنك‭ ‬مازلت‭ ‬عشيقا‭ ‬يلبس‭ ‬بزة‭ ‬سجن‭ ‬الحب‭. ‬المبالغات‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬فقاعات،‭ ‬فتنفجر‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭. ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كلما‭ ‬هرول‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬النفخ،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬بشكل‭ ‬جنوني‭ ‬وهوسي‭ ‬وانتفخت‭ ‬المضاربات‭ ‬تأتي‭ ‬لحظة‭ ‬صارمة‭ ‬لتفجر‭ ‬هذه‭ ‬الفقاعة،‭ ‬لترجع‭ ‬لسعرها‭ ‬الحقيقي‭ ‬بلا‭ ‬رتوش‭ ‬أو‭ ‬وجه‭ ‬مستعار‭ ‬أو‭ ‬وجه‭ ‬شمعي‭. ‬مشكلتنا‭ ‬نحن‭ ‬البشر‭ ‬هي‭ ‬المضاربات‭. ‬مضاربة‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬فاذا‭ ‬أحببنا‭ ‬فجَرنا‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬وإذا‭ ‬كرهنا‭ ‬تفجرنا‭ ‬كرها‭ ‬وحقدا‭ ‬وخبثا،‭ ‬وقليل‭ ‬منا‭ ‬هم‭ ‬الوسطيون‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬بورصة‭ ‬الحب‭ ‬مخفقون‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬نبيع‭ ‬وأي‭ ‬سهم‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬نشتري‭. ‬ودائما‭ ‬الفقاعة‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬تفجرت‭ ‬خلفت‭ ‬وراءها‭ ‬ضحايا‭ ‬بصور‭ ‬مأساوية‭ ‬مختلفة‭. ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬فقاعة‭ ‬الحب‭ ‬تبدأ‭ ‬بزهرة‭ ‬في‭ ‬تسامر‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬القمر،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بزهرة‭ ‬تلقى‭ ‬على‭ ‬رخام‭ ‬قلب‭ ‬مهشم‭ ‬كان‭ ‬لحبيب‭. ‬حتى‭ ‬الوردة‭ ‬هذه‭ ‬المسكينة‭ ‬ندخلها‭ ‬في‭ ‬كذبنا‭ ‬العاطفي،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬فلاننسى‭ ‬حرب‭ ‬الوردتين،‭ ‬وهي‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬دارت‭ ‬معاركها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ (‬1455م‭-‬1485م‭) ‬حول‭ ‬الأحق‭ ‬بكرسي‭ ‬العرش‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭.‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬فقاعة‭ ‬مالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كانت‭ ‬بسبب‭ ‬وردة‭ ‬التوليب‭ (‬1635-1637‭) ‬انتشرت‭ ‬وردة‭ ‬التوليب‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية‭ ‬إلى‭ ‬أمبراطور‭ ‬روما،‭ ‬ومنها‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬هولندا‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬17‭. ‬وكانت‭ ‬فترة‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬الهولندي،‭ ‬إذ‭ ‬توافرت‭ ‬سيولة‭ ‬نقدية‭ ‬وزادت‭ ‬ثروات‭ ‬الكثيرين‭ ‬تبعا‭ ‬لتعاظم‭ ‬قوة‭ ‬هولندا‭ ‬الاقتصادية‭. ‬واعتبرت‭ ‬زهرة‭ ‬التوليب‭ ‬رمزا‭ ‬للطبقة‭ ‬الراقية،‭ ‬وفي‭ ‬“ذروة‭ ‬الهوس”،‭ ‬كانت‭ ‬الزهرة‭ ‬الواحدة‭ ‬تباع‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬أضعاف‭ ‬الدخل‭ ‬السنوي‭ ‬لحرفي‭ ‬ماهر،‭ ‬ما‭ ‬شجع‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬بأموالهم‭ ‬وحتى‭ ‬بممتلكاتهم‭ ‬للمضاربة‭ ‬بشراء‭ ‬التوليب‭ ‬وبيعها‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬أسعار‭ ‬براعم‭ ‬التوليب‭ ‬ذروتها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انهيارها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬سريع،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬آلاف‭ ‬الهولنديين‭ ‬أموالهم‭ ‬وممتلكاتهم‭. ‬باعوا‭ ‬بيوتهم‭ ‬ومحلاتهم‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمتلكون‭ ‬لاقتناء‭ ‬زهرة‭ ‬قد‭ ‬تموت‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭. ‬الهوس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شي‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬كارثية‭. ‬الذكي‭ ‬هو‭ ‬المتوازن،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬العشق‭ ‬أو‭ ‬الهوس‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬ينتفخ‭ ‬نرجسيا‭ ‬لا‭ ‬بمال‭ ‬أو‭ ‬شهرة‭ ‬أو‭ ‬منصب‭. ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬“ع”‭ ‬يقول‭ (‬قيمة‭ ‬كل‭ ‬امرئ‭ ‬ما‭ ‬يحسنه‭). ‬اليوم‭ ‬الطاووسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أوجها‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الدولار‭ ‬ملك‭ ‬العملات،‭ ‬واقتصادها‭ ‬أقوى‭ ‬اقتصاد‭ ‬رغم‭ ‬حجم‭ ‬الديون،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬غير‭ ‬محصنة‭. ‬من‭ ‬كان‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬بعد‭ ‬تربع‭ ‬اليابان‭ ‬على‭ ‬المركز‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬تزيحها‭ ‬الصين؟‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الرعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني؟‭ ‬لأن‭ ‬الصين‭ ‬تغزو‭ ‬العالم‭ ‬بالاقتصاد،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطية‭ ‬بالمليشيات‭ ‬أو‭ ‬صراخ‭ ‬القنوات‭ ‬أو‭ ‬الشتم‭ ‬الطائفي‭ . ‬أمريكا‭ ‬مدينة‭ ‬للصين،‭ ‬وهذه‭ ‬مفارقة‭ ‬مهمة‭. ‬وهذا‭ ‬التنين‭ ‬الآسيوي‭ ‬في‭ ‬تمدد‭ ‬وإذا‭ ‬زادت‭ ‬نرجسيته‭ ‬بتوريط‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬بالديون‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬فقاعة‭ ‬وأزمة‭. ‬بلد‭ ‬شيوعي‭ ‬ديكتاتوري،‭ ‬لكنه‭ ‬عرف‭ ‬اللعبة،‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬ليست‭ ‬بالعضلات،‭ ‬ولا‭ ‬بفقاعات‭ ‬النرجسية،‭ ‬ولكن‭ ‬بالاقتصاد‭. ‬شهدنا‭ ‬تداعيات‭ ‬فقاعة‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬فقاعة‭ ‬الشيوعية‭ ‬وتضخم‭ ‬السوفيت‭. ‬فقاعة‭ ‬الدواعش‭. ‬فقاعة‭ ‬سوق‭ ‬المناخ‭ ‬في‭ ‬الكويت‭. ‬فقاعة‭ ‬الرهن‭ ‬العقاري‭ ‬في‭ ‬2008‭ ‬بأمريكا‭ .‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والانتفاخ‭ ‬الأنوي‭ ‬للزعيم‭ ‬يقوده‭ ‬للسقوط‭. ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬أردوغان‭ ‬بدا‭ ‬بسياسة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل‭ ‬مع‭ ‬الأعداء،‭ ‬وكان‭ ‬برغماتيا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وارتفع‭ ‬مستوى‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬وقل‭ ‬معدل‭ ‬البطالة،‭ ‬واستقطب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال،‭ ‬وبدأت‭ ‬ترتفع‭ ‬سعر‭ ‬الليرة‭ ‬في‭ ‬قبال‭ ‬الدولار،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬دخلت‭ ‬لوثة‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬عند‭ ‬أردوغان‭ ‬وانتقل‭ ‬من‭ ‬تصفير‭ ‬الأعداء‭ ‬إلى‭ ‬تصفير‭ ‬الأصدقاء‭. ‬خسر‭ ‬الرئيس‭ ‬إسطنبول‭ ‬مرتين‭. ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬الزعامة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الهياج‭ ‬الناصري‭ ‬في‭ ‬الخمسينات،‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬قيس‭ ‬بليلى،‭ ‬النرجسية‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬كما‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإسباني‭ ‬قديما،‭ ‬الهرولة‭ ‬بعقل‭ ‬جمعي‭ ‬جماهيريا‭ ‬في‭ ‬التصفيق‭ ‬لشيء،‭ ‬كلها‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬فقاعات‭ ‬قد‭ ‬تنفجر‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭.‬