رؤيا مغايرة

قصة إسراء غريب... قراءة في التوقيت

| فاتن حمزة

إسراء‭ ‬غريب‭ ‬شابة‭ ‬فلسطينية‭ ‬عمرها‭ ‬21‭ ‬عاماً،‭ ‬بدأت‭ ‬قصتها‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬عندما‭ ‬تقدم‭ ‬شاب‭ ‬لخطبتها‭ ‬وانتهت‭ ‬قصتها‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬جثة‭ ‬في‭ ‬مشرحة‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وسط‭ ‬اتهامات‭ ‬وجهها‭ ‬ناشطون‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬لأخيها‭ ‬بقتلها‭. ‬قصة‭ ‬إسراء‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬رأي‭ ‬عام،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اجتاح‭ ‬هاشتاغ‭ ‬“كلنا‭_‬إسراء‭_‬غريب”‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬واعتبرت‭ ‬مؤسسات‭ ‬نسوية‭ ‬وناشطون‭ ‬وحقوقيون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لإسراء‭ ‬هو‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬ارتكبها‭ ‬أهلها‭ ‬بسبب‭ ‬مشاكل‭ ‬اجتماعية‭ ‬وتحريض‭ ‬من‭ ‬الأقرباء‭.‬

الناشطون‭ ‬استندوا‭ ‬في‭ ‬اتهاماتهم‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬معطيات،‭ ‬أهمها‭ ‬وصول‭ ‬إسراء‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬مصابة‭ ‬بكسر‭ ‬في‭ ‬عمودها‭ ‬الفقري‭ ‬وعلى‭ ‬جسدها‭ ‬عدة‭ ‬كدمات،‭ ‬ما‭ ‬اعتبر‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬تعرضها‭ ‬لعنف‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أهلها،‭ ‬واستندوا‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬تسجيلات‭ ‬صوتية‭ ‬تظهر‭ ‬خلافاً‭ ‬بين‭ ‬إسراء‭ ‬وقريباتها‭ ‬على‭ ‬ممارسات‭ ‬اجتماعية،‭ ‬ونشر‭ ‬صور‭ ‬وفيديوهات‭ ‬مع‭ ‬خطيبها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬عقد‭ ‬قرانها‭ ‬رسمياً،‭ ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬التسجيلات‭ ‬تدافع‭ ‬إسراء‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬وتقول‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬من‭ ‬أبيها‭ ‬وأمها‭ ‬وإنها‭ ‬لم‭ ‬ترتكب‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭.‬

رغم‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬يلف‭ ‬قضيتها‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬بكل‭ ‬تناقضاتها‭ ‬وحبكاتها‭ ‬التي‭ ‬يظهر‭ ‬عليها‭ ‬التكلف‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬بعض‭ ‬أجزائها،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬مساوئ‭ ‬العملاء‭ ‬اللاشعوريين‭ ‬والعقل‭ ‬الجمعي‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صوره،‭ ‬وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لمن‭ ‬يجهلها‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬نفسية‭ ‬تفترض‭ ‬فيها‭ ‬الجماهير‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬معينة‭ ‬تعكس‭ ‬سلوكاً‭ ‬صحيحاً،‭ ‬ويتجلى‭ ‬تأثير‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬غموضاً‭ ‬اجتماعياً،‭ ‬وتفقد‭ ‬الجماهير‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬السلوك‭ ‬المناسب،‭ ‬وبدافع‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬الآخرين‭ ‬يعرفون‭ ‬أكثر‭ ‬منهم‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭.‬

وأكثر،‭ ‬بل‭ ‬جُل‭ ‬من‭ ‬خاض‭ ‬في‭ ‬قضيتها‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬الحد‭ ‬المرسوم‭ ‬للمسألة‭ ‬وخاض‭ ‬مع‭ ‬الخائضين‭ ‬وكل‭ ‬له‭ ‬سببه،‭ ‬وأكثر‭ ‬الأسباب‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬الذي‭ ‬ذكرناه‭ ‬آنفاً،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة،‭ ‬فلا‭ ‬نزيد‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬عشرات‭ ‬القضايا‭ ‬الشبيهة،‭ ‬وقد‭ ‬حدثت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬لكن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬إسراء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬يضع‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬كثيرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬فالتهويل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الترويج‭ ‬لمسألة‭ ‬“صفقة‭ ‬القرن”‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأيادي‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬الشعب‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬نفسه،‭ ‬لذا‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬أن‭ ‬يبتوا‭ ‬في‭ ‬شأنه‭!‬

نصيحة‭ ‬خالصة‭ ‬لوجه‭ ‬الله،‭ ‬دعوا‭ ‬إسراء‭ ‬تنام‭ ‬في‭ ‬قبرها‭ ‬ولا‭ ‬تنبشوه،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬قضيتها،‭ ‬فليقتصر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬التحقيق‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬وترك‭ ‬الأمر‭ ‬للقضاء‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بأن‭ ‬يصدر‭ ‬قرارا‭ ‬ينصفها‭ ‬وينزل‭ ‬أقصى‭ ‬العقوبة‭ ‬بمن‭ ‬قتلها‭ ‬إن‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬إسراء‭ ‬تعرضت‭ ‬لعملية‭ ‬قتل،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬نكتفي‭ ‬نحن‭ ‬بالدعاء‭ ‬لها‭ ‬بالمغفرة،‭ ‬والصبر‭ ‬لأهلها‭ ‬بدل‭ ‬تناقل‭ ‬آراء‭ ‬واتهامات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬باطلة،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشملنا‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ (‬وَلَئِن‭ ‬سَأَلْتَهُمْ‭ ‬لَيَقُولُنَّ‭ ‬إِنَّمَا‭ ‬كُنَّا‭ ‬نَخُوضُ‭ ‬وَنَلْعَبُ‭)‬،‭ (‬التوبة‭: ‬65‭).‬