ومضة قلم

ذكرى عاشوراء

| محمد المحفوظ

مثلت‭ ‬واقعة‭ ‬الطف‭ ‬مفصلا‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬بليت‭ ‬بها‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬المتتالية‭ ‬والأزمان‭ ‬الغابرة‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬واقعة‭ ‬“كربلاء”‭ ‬تبقى‭ ‬الأشد‭ ‬ألما‭ ‬ومرارة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬اقترف‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬مروعة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬سوح‭ ‬المعركة‭ ‬بل‭ ‬تعدتها‭ ‬إلى‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭. ‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬المكانة‭ ‬العظيمة‭ ‬للإمام‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬فإنه‭ ‬يكفي‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬الرسول‭ ‬الأكرم‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬“ص”‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬سبطه‭ ‬الحسين‭ ‬“حسينٌ‭ ‬منيّ‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬حسين‭ ‬أحبّ‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أحبّ‭ ‬حسينا”،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬أحد‭ ‬الرواة‭ ‬معلقا‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬ينسب‭ ‬البعض‭ ‬وهو‭ ‬الحسين‭ ‬إلى‭ ‬الكل‭ ‬وهو‭ ‬النبيّ،‭ ‬ولهو‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬وبرهان‭ ‬على‭ ‬أنّهما‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬واحد‭.‬

تنطوي‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬علينا‭ ‬التعاطي‭ ‬معها،‭ ‬ولعل‭ ‬أهمها‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬نهج‭ ‬التسامح‭ ‬محورا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬لما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬وكونه‭ ‬يمثل‭ ‬السياج‭ ‬الحصين‭ ‬لأفراد‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬موجات‭ ‬الكراهية‭. ‬إن‭ ‬مهمة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬والأهمية‭ ‬ليست‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬أنيطت‭ ‬بهم‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية،‭ ‬لكنها‭ ‬أيضا‭ ‬وبنفس‭ ‬القدر‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬ونعتقد‭ ‬أنه‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لترشيدها،‭ ‬ولا‭ ‬أحسب‭ ‬أنّ‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬ما‭ ‬يبث‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬خطابات‭ ‬وآراء،‭ ‬فالارتقاء‭ ‬بالخطاب‭ ‬الديني‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬بات‭ ‬هدفا‭ ‬يطمح‭ ‬إليه‭ ‬الجميع‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬بلوغ‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬إلا‭ ‬بتجنب‭ ‬مخاطبة‭ ‬النزعات‭ ‬الضيقة‭ ‬والذاتية‭ ‬كالمذهبية‭ ‬والطائفية‭. ‬

أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬الإسلاميين‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬تراث‭ ‬المسلمين‭ ‬مليء‭ ‬بعناصر‭ ‬التنازع‭ ‬والكراهية،‭ ‬وبعضنا‭ ‬للأسف‭ ‬يظنه‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬وبعضنا‭ ‬يظنه‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭ ‬وأظنها‭ ‬–‭ ‬طبقا‭ ‬لمقولة‭ ‬هذا‭ ‬المؤرخ‭ ‬–‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬الزبد‭ ‬الذي‭ ‬يحمله‭ ‬تيار‭ ‬الماء‭ ‬الجاري‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭.‬

السلام‭ ‬على‭ ‬الحسين‭ ‬يوم‭ ‬ولد‭ ‬ويوم‭ ‬استشهد‭ ‬ويوم‭ ‬يبعث‭ ‬حيّاً‭ ‬مع‭ ‬الشهداء‭ ‬والصديقين‭ ‬مصداقا‭ ‬للآية‭ ‬الكريمة‭ ‬“ولا‭ ‬تحسبنّ‭ ‬الذّين‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬أمواتا‭ ‬بل‭ ‬أحياءٌ‭ ‬عند‭ ‬ربّهم‭ ‬يرزقون”‭ ‬صدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭.‬