سوالف

أبشع جريمة عرفتها الشعوب

| أسامة الماجد

أكثر‭ ‬ما‭ ‬يستوقفني‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬تهريب‭ ‬الآثار‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬دولنا‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬على‭ ‬أيادي‭ ‬النصابين‭ ‬والمحتالين‭ ‬وتجار‭ ‬الآثار،‭ ‬فالمشهد‭ ‬هنا‭ ‬يشبه‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يود‭ ‬بيع‭ ‬أمه‭ ‬أو‭ ‬والده‭ ‬إلى‭ ‬جهات‭ ‬خارجية‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الثمن‭ ‬باهظا،‭ ‬أو‭ ‬كمن‭ ‬يريد‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬يده‭ ‬أو‭ ‬رجله‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬جسده‭ ‬مقابل‭ ‬المال،‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬سرقة‭ ‬الآثار‭ ‬العربية‭ ‬والكنوز‭ ‬والمعالم،‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬كانت‭ ‬الآثار‭ ‬العربية‭ ‬عرضة‭ ‬للنهب‭ ‬والسرقة،‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتعمد‭ ‬طمس‭ ‬هويتنا‭ ‬ووجودنا‭ ‬وهذه‭ ‬أبشع‭ ‬مراحل‭ ‬الغدر‭ ‬والخيانة‭.‬

العجيب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬آثار‭ ‬وأطلال‭ ‬للتراث‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬كإسبانيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬نجدها‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭ ‬وتضعها‭ ‬في‭ ‬المكانة‭ ‬البارزة‭ ‬وتظهر‭ ‬مصدرها‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬كيف‭ ‬لا،‭ ‬وهذه‭ ‬الآثار‭ ‬المعمارية‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬العالمي‭ ‬ليست‭ - ‬والحق‭ ‬يقال‭ ‬–‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬شعوبا‭ ‬كثيرة‭ ‬غير‭ ‬عربية‭ ‬وغير‭ ‬إسلامية‭ ‬مثل‭ ‬شعوب‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وبلغاريا‭ ‬وعدة‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬تمتلك‭ ‬جانبا‭ ‬منها،‭ ‬وما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الارتياح‭ ‬رؤية‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬المؤتمنة‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬وصيانته‭ ‬تشعر‭ ‬بأنها‭ ‬معنية‭ ‬مثلنا‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬بصماتها‭ ‬على‭ ‬شخصيتها‭ ‬وطبعت‭ ‬ملامح‭ ‬بلدانها‭.‬

ألم‭ ‬يكن‭ ‬موقفنا‭ ‬نحن‭ ‬بالذات‭ ‬إزاء‭ ‬آثار‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة‭ - ‬من‭ ‬يونانية‭ ‬ورومانية‭ ‬وهندية‭ ‬وغيرها‭ - ‬مثل‭ ‬موقفهم؟‭ ‬إن‭ ‬الانسجام‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تقتضي‭ ‬تجاوبا‭ ‬مع‭ ‬فنون‭ ‬الماضي‭ ‬يعتبر‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬عامل‭ ‬صداقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وعنصر‭ ‬سلم‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬سحر‭ ‬الفن‭ ‬وما‭ ‬يدعمه‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الإيمان‭ ‬هو‭ ‬أبلغ‭ ‬أثرا‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬وأشد‭ ‬وقعا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬الحقد‭ ‬والتفرقة‭ ‬وأبشع‭ ‬جريمة‭ ‬عرفتها‭ ‬الشعوب‭ ‬وهي‭ ‬سرقة‭ ‬الآثار‭ ‬وطمس‭ ‬هوية‭ ‬الشعوب‭.‬