قهوة الصباح

رأيتُ كلَّ زهرةٍ تنامُ عند كتفِ الحسين

| سيد ضياء الموسوي

سلامًا‭ ‬على‭ ‬ضمير‭ ‬الوجود‭ ‬مشظّى‭ ‬على‭ ‬ناصية‭ ‬السماء،‭ ‬سلامًا‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬الحسين‭ ‬ينزف‭ ‬دمًا‭ ‬علويًّا‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬حديقة‭ ‬ورد‭ ‬وزهر‭ ‬إباء،‭ ‬سلامًا‭ ‬على‭ ‬الحسين‭ ‬دموع‭ ‬فاطمة‭ ‬تتوزع‭ ‬غربة‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل،‭ ‬أطفالاً‭ ‬مشردين،‭ ‬ويتامى‭ ‬هائمين‭ ‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬الحزن‭ ‬الجريح‭. ‬

‭(‬وحينما‭ ‬استقرَّتِ‭ ‬الرّماحُ‭ ‬في‭ ‬حشاشةِ‭ ‬الحسين

وازينّتِ‭ ‬بجسدِ‭ ‬الحسين

وداستِ‭ ‬الخيولُ‭ ‬كلَّ‭ ‬نقطةٍ‭ ‬في‭ ‬جسدِ‭ ‬الحسين

واستلبتْ‭ ‬وقسَّمتْ‭ ‬ملابسَ‭ ‬الحسين

رأيتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬حجرٍ‭ ‬يحنو‭ ‬على‭ ‬الحسين

رأيتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬زهرةٍ‭ ‬تنامُ‭ ‬عند‭ ‬كتفِ‭ ‬الحسين

رأيتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬نهرٍ‭ ‬يسيرُ‭ ‬في‭ ‬جنازةِ‭ ‬الحسين‭) ‬شعر‭. ‬

ويمشي‭ ‬التاريخُ‭ ‬مبضّعًا‭ ‬يقص‭ ‬ليالي‭ ‬الوجود،‭ ‬وتبقى‭ ‬الجمالَ‭ ‬يغطي‭ ‬الجمالُ‭ ‬لونَ‭ ‬الضمير،‭ ‬وشعلةَ‭ ‬القلب‭ ‬النوار‭. ‬من‭ ‬أنت؟‭ ‬وكيف‭ ‬انبثقت؟‭ ‬وكيف‭ ‬انبعثت؟‭ ‬سنونو‭ ‬يقبّل‭ ‬شفاهَ‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد،‭ ‬ونورسُ‭ ‬غربةٍ‭ ‬يلملم‭ ‬موانئ‭ ‬المغتربين‭ ‬الجياع‭. ‬وحيدًا‭ ‬كما‭ ‬القمرُ‭ ‬البعيد،‭ ‬لكنه‭ ‬مضيء،‭ ‬وأجمل‭ ‬نجمٍ‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬البتول‭ ‬لكنه‭ ‬كسير‭. ‬وأحلى‭ ‬فؤاد‭ ‬يقطر‭ ‬عسلَ‭ ‬النقاء‭ ‬لكنه‭ ‬سكيب‭. ‬وأغلى‭ ‬أنيس‭ ‬لعلي‭ ‬لكنه‭ ‬غريب‭. ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬الكبرياء‭ ‬وشبلُك‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬العزِ‭ ‬مستلقيًا‭ ‬كنمرٍ‭ ‬مريض،‭ ‬يصافح‭ ‬بالعصا‭ ‬كفَ‭ ‬الخلودِ‭ ‬وبالأخرى‭ ‬يكفكفُ‭ ‬دمعَ‭ ‬اليتيم‭. ‬سلام‭ ‬عليك‭ ‬شجرَ‭ ‬المجتنى‭ ‬توزع‭ ‬ثمرَ‭ ‬الآباء‭ ‬للخالدين‭. ‬تسير‭ ‬بركبك‭ ‬بين‭ ‬الذئابِ‭ ‬فصرت‭ ‬الخلود‭ ‬وكانوا‭ (‬يزيد‭). (‬ظنوا‭ ‬بأن‭ ‬قتَلَ‭ ‬الحسينَ‭ (‬يزيدُهم‭) ‬لكنما‭ ‬قتَلَ‭ ‬الحسينُ‭ ‬يزيدا‭). ‬وهل‭ ‬ثمة‭ ‬خلود‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخلود‭ ‬؟‭ ‬سلام‭ ‬عليك،‭ ‬وعلى‭ ‬آل‭ ‬هاشم،‭ ‬وزينب‭ ‬تطفئ‭ ‬بالدمع‭ ‬احتراقَ‭ ‬الخيام‭ !! ‬هو‭ ‬اليتمُ‭ ‬يسير‭ ‬بركب‭ ‬الوجود‭ ‬مذ‭ ‬أصبحت‭ ‬كربلاء‭ ‬مبرة‭ ‬يتم‭ ‬وعين‭ ‬يتامى‭ ‬لا‭ ‬تنام‭. (‬هذي‭ ‬دماك‭ ‬على‭ ‬فمي‭ ‬تتكلمُ‭. ‬ماذا‭ ‬يقولُ‭ ‬الشعرُ‭ ‬إن‭ ‬نطق‭ ‬الدمُ‭ (‬شعر‭). ‬وهذه‭ ‬كربلاء‭ ‬تنشدُ‭ ‬أنشودة‭ ‬بعزف‭ ‬الحبر‭ ‬محبرة‭ ‬جمال‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬العقاد‭ (‬أبو‭ ‬الشهداء‭) ‬وهو‭ ‬يقول‭: (‬تعتبر‭ ‬حادثة‭ ‬استشهاد‭ ‬“الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي”‭ ‬في‭ ‬“كربلاء”‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬المآسي‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ؛‭ ‬حيث‭ ‬يتجلى‭ ‬الصراع‭ ‬الأبدي‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والحق‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬وبين‭ ‬الشر‭ ‬والنفعية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭) ‬والشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬الكبير‭ ‬السياب‭ ‬ينشد‭ ‬في‭ ‬الحسين‭ ‬شعرًا‭ (‬ارم‭ ‬الوجود‭ ‬بنظرة‭ ‬استهزاء‭ ‬واجعل‭ ‬شرابك‭ ‬مـن‭ ‬دم‭ ‬الأشلاء‭). ‬ومسرحية‭ ‬ملهمة‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬ملحمة‭ ‬لعبدالرحمن‭ ‬الشرقاوي‭ (‬الحسين‭ ‬ثائرًا‭) ‬جسّد‭ ‬فيها‭ ‬كربلاء‭.. ‬و‭ ‬أبيات‭ ‬شعر‭ ‬ادونيس‭ ‬العظيمة‭. (‬وحينما‭ ‬استقرَّتِ‭ ‬الرّماحُ‭ ‬في‭ ‬حشاشةِ‭ ‬الحسين

وازينّتِ‭ ‬بجسدِ‭ ‬الحسين

وداستِ‭ ‬الخيولُ‭ ‬كلَّ‭ ‬نقطةٍ‭ ‬في‭ ‬جسدِ‭ ‬الحسين

واستلبتْ‭ ‬وقسَّمتْ‭ ‬ملابسَ‭ ‬الحسين

رأيتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬حجرٍ‭ ‬يحنو‭ ‬على‭ ‬الحسين

رأيتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬زهرةٍ‭ ‬تنامُ‭ ‬عند‭ ‬كتفِ‭ ‬الحسين

رأيتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬نهرٍ‭ ‬يسيرُ‭ ‬في‭ ‬جنازةِ‭ ‬الحسين‭) ‬شعر‭. ‬

ونزار‭ ‬قباني‭ ‬يردد‭ (‬فجراح‭ ‬الحسين‭ ‬بعض‭ ‬جراحي‭ ‬وبصدري‭ ‬من‭ ‬الأسى‭ ‬كربلاءُ‭) ‬وتخفف‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬الجرح‭ ‬الوطني‭ ‬لنكسة‭ ‬67‭ ‬التي‭ ‬مني‭ ‬بها‭ ‬العرب،‭ ‬فيجدك‭ ‬نزار‭ ‬الملهم‭ ‬الشهيد‭ (‬فتاريخنا‭ ‬كلهُ‭ ‬محنةٌ‭ ‬وأيامنا‭ ‬كلها‭ ‬كربلاءْ‭). ‬وذهب‭ ‬نزاربعيدًا‭ ‬محلقًا‭ ‬بكربلاء‭ ‬في‭ ‬رثاء‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‭(‬ارم‭ ‬نظارتيك‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬أعمى‭ ‬إنما‭ ‬نحن‭ ‬جوقة‭ ‬العميان‭) ‬ليصور‭ ‬يتامك‭ ‬أبا‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬تتوزعهم‭ ‬وحشية‭ ‬البشر،‭ ‬وحيوانية‭ ‬المطامع،‭ ‬فينادي‭ ‬اسم‭ ‬الحسين‭ ‬وصورة‭ ‬احتباس‭ ‬الماء‭ ‬عن‭ ‬شفاه‭ ‬اليتامى‭. ‬فيقول‭ ‬ويكون‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬ملاذًا‭ ‬للتخفيف‭ ‬عن‭ ‬وجع‭ ‬نزار‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وهو‭ ‬يرثي‭ ‬ابنه‭ ‬الأمير‭ ‬الدمشقي،‭ ‬توفيق،‭ ‬سنة‭ ‬1973،‭ ‬كما‭ ‬رثى‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬ابنه‭ ‬علي‭ ‬الأكبر‭: (‬لأي‭ ‬سماء‭ ‬نمد‭ ‬يدينا؟‭ ‬ولا‭ ‬أحدًا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬لندن‭ ‬يبكي‭ ‬علينا‭ ‬يهاجمنا‭ ‬الموت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬صوب‭ ‬ويقطعنا‭ ‬مثل‭ ‬صفصافتين‭ ‬فأذكر،‭ ‬حين‭ ‬أراك،‭ ‬عليًّا‭ ‬وتذكر‭ ‬حين‭ ‬تراني،‭ ‬الحسين‭. ‬وفي‭ ‬رثاء‭ ‬الطف‭ ‬يقول‭ ‬شاعرنا‭ ‬العظيم‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ (:‬من‭ ‬أين‭ ‬يأتينا‭ ‬الفرح؟وكل‭ ‬طفل‭ ‬عندنا،‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬ثيابه‭ ‬دماء‭ ‬كربلاء‭.. ‬والفكر‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬حذاء‭).. ‬وفي‭ ‬الحب‭ ‬يأتي‭ ‬الحسين‭ ‬حيث‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الحب،‭ ‬حب‭ ‬الحسين‭ ‬لليلى،‭ ‬حب‭ ‬الحسين‭ ‬لعلي‭ ‬الأكبر،‭ ‬حب‭ ‬الحسين‭ ‬للأخت‭ ‬زينب‭ ‬ع‭ ‬وحب‭ ‬الأخ‭ ‬لأخيه‭ ‬العباس،‭ ‬ولأصحابه‭. ‬يقول‭ ‬نزار‭ ‬في‭ ‬رثاء‭ ‬حبيبته‭ ‬بلقيس‭ (‬بلقيسُ‭: ‬إن‭ ‬هم‭ ‬فجروكِ‭.. ‬فعندنا‭ ‬كل‭ ‬الجنائز‭ ‬تبتدي‭ ‬في‭ ‬كربلاءَ‭ ‬وتنتهي‭ ‬في‭ ‬كربلاءْ‭ ‬لن‭ ‬أقرأ‭ ‬التاريخ‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬إن‭ ‬أصابعي‭ ‬اشتعلتْ‭ ‬وأثوابي‭ ‬تغطيها‭ ‬الدماء‭ ‬ها‭ ‬نحن‭ ‬ندخل‭ ‬عصرنا‭ ‬الحجريَّ‭ ‬نرجعُ‭ ‬كل‭ ‬يومٍ،‭ ‬ألف‭ ‬عامٍ‭ ‬للوراءْ‭. ‬

وفي‭ ‬محنة‭ ‬فلسطين‭ ‬يستشهد‭ ‬نزار‭ ‬بالحسين‭ ‬ع‭ (‬من‭ ‬وَجَع‭ ‬الحسين‭ ‬نأتي‭ ‬من‭ ‬أسى‭ ‬فاطمةَ‭ ‬الزهراءْ‭.. ‬من‭ ‬أُحُدٍ‭.. ‬نأتي‭ ‬ومن‭ ‬بَدْرٍ‭ ‬ومن‭ ‬أحزان‭ ‬كربلاءْ‭.. ‬نأتي‭.. ‬لكي‭ ‬نصحِّحَ‭ ‬التاريخَ‭ ‬والأشياءْ‭ ‬ونطمسَ‭ ‬الحروفَ‭.. ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬العبرِيَّة‭ ‬الأسماءْ‭) ‬وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬ألقاها‭ ‬فجّرت‭ ‬أزمة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أيام‭ ‬حكم‭ ‬البعث‭: ‬مواطنون‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مدائن‭ ‬البكاء‭ ‬قهوتنا‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬كربلاء‭ ‬حنطتنا‭ ‬معجونة‭ ‬بلحم‭ ‬كربلاء‭ ‬طعامنا‭.. ‬شرابناع‭ ‬اداتنا‭.. ‬راياتنا‭ ‬زهورنا‭.. ‬قبورنا‭ ‬جلودنا‭ ‬مختومة‭ ‬بختم‭ ‬كربلاء‭. ‬سلام‭ ‬عليك‭ ‬أبا‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬يوم‭ ‬ولدت،‭ ‬ويوم‭ ‬استشهدت،‭ ‬ويوم‭ ‬تبعث‭ ‬حيًّا،‭ ‬ولا‭ ‬يوم‭ ‬كيومك‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬عبد‭ ‬الله‭.‬