قهوة الصباح

اقتصاد السعادة (34)

| سيد ضياء الموسوي

لست‭ ‬خبيرا‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬واحترم‭ ‬التخصصات،‭ ‬لكني‭ ‬اشتغل‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفكري‭ ‬النقدي،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأبستمولوجيا‭ ‬المعرفية؛‭ ‬لذلك‭ ‬أسعى‭ ‬لقراءة‭ ‬نقدية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بمبضع‭ ‬ثقافي‭ ‬فلسفي‭. ‬لعل‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬البحرين‭ ‬سابقا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬خليطا‭ ‬بين‭ ‬الاشتراكية‭ ‬والرأسمالية‭ ‬والأنسنة‭. ‬

بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بكل‭ ‬مبادئ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحر‭ ‬المفتوح‭ ‬المطلق‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية،‭ ‬ولا‭ ‬الاشتراكي‭ ‬البحت‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬تحت‭ ‬الملكية‭ ‬المطلقة‭ ‬للدولة‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الدول‭ ‬الشيوعية‭.‬

وإنما‭ ‬بالكوكتيل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بأفضل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬النظريتين‭ ‬مع‭ ‬تطعيمهما‭ ‬بالأنسنة‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الأدلجة‭. ‬جمال‭ ‬اقتصاد‭ ‬البحرين‭ ‬كان‭ ‬بالتوازن،‭ ‬وليس‭ ‬بالتوحش‭ ‬الضريبي،‭ ‬فلم‭ ‬نسمع‭ ‬يوما‭ ‬ما،‭ ‬والبحرين‭ ‬مرت‭ ‬بمنعطفات‭ ‬اقتصادية‭ ‬حادة،‭ ‬وهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬فتأثرت‭ ‬بأزمة‭ ‬الرهن‭ ‬العقاري‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٨‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أزمات،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يثقل‭ ‬المواطن‭ ‬بالضرائب،‭ ‬ولم‭ ‬تلاحقه‭ ‬الوزارات‭ ‬الخدمية‭ ‬بطريقة‭ ‬التهديد،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬أن‭ ‬مواطنا‭ ‬هُدد‭ ‬بقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬عن‭ ‬بيته‭ ‬دون‭ ‬رحمة‭ ‬ولا‭ ‬شفقة‭. ‬أقول‭: ‬هذه‭ ‬الأنياب‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البحريني‭ ‬المؤنسن،‭ ‬وليست‭ ‬هي‭ ‬الحل‭. ‬أضرب‭ ‬مثالا‭: ‬كل‭ ‬تاريخ‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وكل‭ ‬تاريخ‭ ‬وزارات‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬تعتمد‭ ‬هذا‭ ‬التوحش‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتوحشة‭. ‬

وهنا‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأخير‭ ‬والحكيم‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬توازن‭ ‬لطبيعة‭ ‬أداء‭ ‬الهيئة‭ ‬وتمديد‭ ‬احتساب‭ ‬الفواتير‭. ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭: ‬بأن‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬هي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ (‬العاملين‭) ‬من‭ ‬الفريق‭ ‬الطبي‭ ‬المتعدد‭ ‬في‭ ‬سيارة‭ ‬إسعاف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البحريني‭ ‬وكرافد‭ ‬للميزانية،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الميزانية‭ ‬فيها‭ ‬عجز‭ ‬بمقدار‭ ‬1‭.‬878‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2019،‭ ‬ودين‭ ‬عام‭ ‬بلغ‭ ‬11‭.‬457‭ ‬مليار‭ ‬دينار؟‭ ‬صحيح،‭ ‬لكن‭ ‬أنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬مسؤولي‭ ‬الهيئة‭ ‬يجتهدون‭ ‬في‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬والأداء‭ ‬خلاف‭ ‬التوصيات‭ ‬العليا‭. ‬ومع‭ ‬التقدير‭ ‬لخطة‭ ‬برنامج‭ ‬التوازن‭ ‬المالي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يتم‭ ‬الاتكاء‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الضريبي،‭ ‬وسلوكيات‭ ‬بعض‭ ‬الوزارات،‭ ‬ومنها‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يسقطنا‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬سوسيولوجية‭ ‬اكبر،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬التدرج‭ ‬لا‭ ‬اعتماد‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬اقتصاديا‭ ‬بـ‭ (‬اقتصاد‭ ‬الصدمة‭)! ‬وأن‭ ‬نبدأ‭ ‬بالأولويات‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فائض‭ ‬مال‭ ‬لا‭ ‬فائض‭ ‬عوز‭ ‬وفقراء‭. ‬وذكرت‭ ‬سابقا،‭ ‬كي‭ ‬نخفف‭ ‬من‭ ‬العجز‭ ‬نبدأ‭ ‬بالأهم‭ ‬لا‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف،‭ ‬ومنها‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مشاريع‭ ‬فيلة‭ ‬بيضاء‭ ‬غير‭ ‬منتجة‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬علاجها‭. ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬أصبح‭ ‬ثقبا‭ ‬أسود‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬check up‭ ‬عليه،‭ ‬وفحص‭ ‬حجم‭ ‬الأمراض‭ ‬فيه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصاب‭ ‬بسكتة‭ ‬مالية‭ ‬حادة‭ ‬أو‭ ‬ذبحة‭ ‬استثمارية‭. ‬

كم‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬اقتصادي‭ ‬او‭ ‬استثماري‭ ‬في‭ ‬كومة‭ ‬وغيبوبة‭ ‬ربحية؟‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬مجالس‭ ‬الإدارات‭ ‬لشركات‭ ‬ذات‭ ‬أسهم‭ ‬حكومية‭ ‬هم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬مشاريع‭ ‬متعثرة‭ ‬أو‭ ‬تعاني‭ ‬هزالا‭ ‬ربحيا‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬مواكبة‭ ‬رؤيتهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬العالمية‭. ‬والسؤال‭: ‬هل‭ ‬سنلتجئ‭ ‬الى‭ ‬الإنتاجية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬بتقوية‭ ‬بقية‭ ‬القطاعات‭ ‬ونتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬البحريني،‭ ‬والاحتضان‭ ‬للأدمغة‭ ‬البحرينية،‭ ‬وإعادة‭ ‬جدولة‭ ‬أهمية‭ ‬تقديم‭ ‬الكفاءات‭ ‬لا‭ ‬المكافآت‭ ‬في‭ ‬التوظيف؟‭ ‬وهناك‭ ‬أسئلة‭ ‬ملحة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬أفخاخ‭ ‬الاقتراض،‭ ‬ونار‭ ‬فوائدها،‭ ‬والتقليل‭ ‬منه‭ ‬وهل‭ ‬سيتم‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬توصيات‭ ‬ديوان‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية؛‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الهدر‭ ‬والتجاوزات‭ ‬للوصول‭ ‬لاقتصاد‭ ‬السعادة؟هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬تعتبر‭ ‬مضادا‭ ‬حيويا‭ ‬تمنح‭ ‬المناعة‭ ‬الكافية‭ ‬لاقتصاد‭ ‬وقع‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬تقلبات‭ ‬سوق‭ ‬النفط‭. ‬ومتى‭ ‬سيتم‭ ‬عدم‭ ‬الاتكاء‭ ‬المطلق‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬النفط‭ ‬الذي‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يفاجئنا‭ ‬بزلزال‭ ‬يجعل‭ ‬الأسعار‭ ‬متشظية‭ ‬صغيرة‭ ‬وحارقة؟‭ ‬ثم‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬لإنقاد‭ ‬قطاع‭ ‬العقارات‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬غياب‭ ‬المناعة،‭ ‬ونقصا‭ ‬في‭ ‬كريات‭ ‬الدم‭ ‬البيضاء؟‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬متوازنة‭ ‬للتوازن‭ ‬المالي‭. ‬

ولخلق‭ ‬بيئة‭ ‬استثمارية‭ ‬واعدة‭ ‬وتنمية،‭ ‬نحتاج‭ ‬قلب‭ ‬طبيب‭ ‬اقتصادي‭ ‬شجاع،‭ ‬لا‭ ‬ترتعش‭ ‬يداه‭ ‬عند‭ ‬إجراء‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬اقتصادية‭. ‬فالنظام‭ ‬الضريبي‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬خيوط‭ ‬سترة‭ ‬النجاة‭ ‬للاقتصاد؛‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بموازاة‭ ‬عدم‭ ‬غرق‭ ‬المواطن،‭ ‬ومراعيا‭ ‬للطبقات‭ ‬السفلى،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬الاتكاء‭ ‬عليه،‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تنويع‭ ‬الاقتصاد‭. ‬نستطيع‭ ‬النهوض‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬البحريني،‭ ‬ولكن‭ ‬بإستراتيجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬فسنغافورة‭ ‬عندما‭ ‬انفصلت‭ ‬عن‭ ‬ماليزيا‭ ‬كانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬كومة‭ ‬مستنقعات،‭ ‬ولا‭ ‬تحمل‭ ‬أي‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة،‭ ‬لكنها‭ ‬اليوم‭ ‬وصلت‭ ‬للقمة‭ ‬وقد‭ ‬مرت‭ ‬أيضا‭ ‬بأزمات‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬ازدهارها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬التصحيح‭.‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لسنغافورة‭ ‬297‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2013‭. ‬لماذا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الهندي‭ ‬صاعد،‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬هذا‭ ‬2019‭ ‬“15.518”‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭!! ‬عقلية‭ ‬شيوعية‭ ‬مغلقة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬لكن‭ ‬بعبقرية‭ ‬تصحيحية‭ ‬اقتصادية‭. ‬نعم‭ ‬تعاني‭ ‬فسادا،‭ ‬وديونا‭ ‬مخيفة،‭ ‬حيث‭ ‬قفزت‭ ‬ديون‭ ‬الصين‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭. ‬لكنهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬رؤية‭ ‬وإنتاجية‭ ‬وبرامج‭. ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬سيعاني‭ ‬فوبيا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفوبيا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬توازن‭ ‬مالي‭ ‬مع‭ ‬مواطن‭ ‬مذعور‭ ‬اقتصاديا‭ ‬أو‭ ‬تاجر‭ ‬يتداعى‭ ‬ماليا‭ ‬أو‭ ‬مستثمر‭ ‬يعاني‭ ‬فوبيا‭ ‬الاستثمار‭. ‬إننا‭ ‬جميعا‭ ‬نثق‭ ‬بحكمة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬وسمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬أنسنة‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ومراعاة‭ ‬وضع‭ ‬المواطن‭ ‬عند‭ ‬تصحيح‭ ‬أي‭ ‬وضع‭ ‬اقتصادي‭ ‬لصناعة‭ ‬اقتصاد‭ ‬السعادة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثبتته‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬التاريخية‭.‬