تعلمت من “عاشوراء البحرين”

| سعيد محمد

حين‭ ‬أسترجع‭ ‬شريطًا‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬الطفولة‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬“السقية”‭.. ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬الجميلة‭ ‬بنخيلها‭ ‬وعيونها‭ ‬وناسها‭ ‬الطيبين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬السبعينات،‭ ‬واستذكر‭ ‬أيام‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬مع‭ ‬والدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وأصدقائه،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬“السلمانية”‭ ‬و”أم‭ ‬الحصم”‭ ‬ممن‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬التواجد‭ ‬أيام‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬المآتم‭ ‬ومواكب‭ ‬العزاء،‭ ‬تلوح‭ ‬صورة‭ ‬“مبارك”،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يناديه‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬بإسم‭ ‬“بروك”،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬ممن‭ ‬اشتهروا‭ ‬بتنظيم‭ ‬الخيول‭ ‬أمام‭ ‬مواكب‭ ‬العزاء‭.‬

كانت‭ ‬مواكب‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬تضم‭ ‬مختلف‭ ‬شرائح‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭.. ‬بلا‭ ‬تشدد‭ ‬ولا‭ ‬تعصب‭ ‬ولا‭ ‬طائفية‭ ‬ولا‭ ‬استهداف‭ ‬طائفي‭ ‬بغيض،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬بين‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬المنبوذين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يساوون‭ ‬شيئًا‭ ‬وليس‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬تمقتهم،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬اليوم،‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬البحرينيون‭ ‬من‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين‭ ‬يجتمعون‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬عاشوراء‭.. ‬ربما‭ ‬ليس‭ ‬بحجم‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬بالطبع،‭ ‬وأيضًا‭.. ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬أصوات‭ ‬التعصب‭ ‬والفتنة‭ ‬والنشاز‭ ‬تظهر‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وحين،‭ ‬وهي‭ ‬ممقوتة‭ ‬ومستنكرة،‭ ‬ولا‭ ‬تساوي‭ ‬شيئًا‭.‬

تعلمت‭ ‬من‭ ‬عاشوراء‭ ‬البحرين،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموسم‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬يمثل‭ ‬ذكرى‭ ‬خالدة‭ ‬كمنبع‭ ‬للعطاء‭ ‬الإسلامي‭ ‬والإنساني،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬جورها‭ ‬تجمع‭ ‬ولا‭ ‬تفرق‭.. ‬تقوي‭ ‬ولا‭ ‬تضعف،‭ ‬تنشر‭ ‬المحبة‭ ‬وتتصدى‭ ‬للكراهية،‭ ‬فدعوات‭ ‬التآخي‭ ‬والوحدة‭ ‬والمحبة،‭ ‬تتغلب‭ ‬على‭ ‬ممارسات‭ ‬التفريق‭ ‬والفتنة،‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬مسوغ‭ ‬ووفق‭ ‬أي‭ ‬ممارسة‭ ‬لا‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬تراث‭ ‬وأخلاق‭ ‬وطبيعة‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬الطيبين‭.‬

تعلمت‭ ‬من‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬الغالية،‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬الفتنة‭ ‬والطائفية‭ ‬ينشطون‭ ‬في‭ ‬المواسم‭ ‬الدينية،‭ ‬وتتطور‭ ‬وسائلهم‭ ‬وأدواتهم‭ ‬الخبيثة‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الزمن،‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬شاغل‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬نشر‭ ‬الفتنة،‭ ‬فهنا‭ ‬فريق‭ ‬ينشط‭ ‬شيطانه‭ ‬للتكفير‭ ‬وإخراج‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬دين‭ ‬الإسلام‭ ‬لأنها‭ ‬يمارسون‭ ‬طقوس‭ ‬اليهود‭ ‬والمجوس‭ ‬والنصاري،‭ ‬يقابله‭ ‬فريق‭ ‬ينشط‭ ‬شيطانه‭ ‬في‭ ‬التأليب‭ ‬وبث‭ ‬الكراهية‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬معتقدات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يتحدث‭ ‬بإسم‭ ‬الدين‭ ‬والدين‭ ‬منهم‭ ‬براء،‭ ‬فتسقط‭ ‬تلك‭ ‬العناوين‭ ‬والممارسات‭ ‬أمام‭ ‬“جوهر‭ ‬احترام‭ ‬الآخر‭ ‬ومعتقداته‭ ‬وشعائره”،‭ ‬وتأكل‭ ‬النار‭ ‬قلوب‭ ‬أهل‭ ‬الفتنة‭.‬

تعلمت‭ ‬من‭ ‬عاشوراء‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬واستخلاص‭ ‬عبر‭ ‬الذكرى‭ ‬وقيمها‭ ‬ومبادئها‭ ‬المحمدية‭ ‬الحسينية،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الإحياء‭ ‬الظاهري‭ ‬للشعائر،‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬انعكاس‭ ‬تعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬كسلوك‭ ‬يترجم‭ ‬ما‭ ‬نهض‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬سيد‭ ‬الشهداء‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬عليهم‭ ‬السلام‭ ‬وقدم‭ ‬دمه‭ ‬الطاهر‭ ‬ودماء‭ ‬أهل‭ ‬بيته‭ ‬وأصحابه،‭ ‬للذود‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬وصيانة‭ ‬الأوطان‭ ‬والمجتمعات‭ ‬بمنظومة‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬والرحمة‭ ‬والسلام‭ ‬والمساواة‭ ‬ورفض‭ ‬الظلم‭ ‬والجور،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬سواه‭.‬

“الإصلاح”‭ ‬هو‭ ‬الفيصل‭.. ‬إنها‭ ‬المقولة‭ ‬الخالدة‭ ‬لسيد‭ ‬الشهداء‭ ‬الحسين‭ ‬سلام‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ :‬”وإني‭ ‬لم‭ ‬أخرج‭ ‬أشرًا‭ ‬ولا‭ ‬بطرًا‭ ‬ولا‭ ‬ظالمًا‭ ‬ولا‭ ‬مفسدًا،‭ ‬إنما‭ ‬خرجت‭ ‬لطلب‭ ‬الإصلاح‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬جدي‭.. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬آمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬وأنهى‭ ‬عن‭ ‬المنكر”‭.. ‬لتبقى‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬بمباديء‭ ‬النهضة‭ ‬الحسينية‭ ‬الخالدة‭.‬