الحرب التجارية ودورها في الكساد الاقتصادي

| د. عبدالقادر ورسمه

أمريكا‭ ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬عهد‭ ‬ترامب،‭ ‬انتهجت‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بسياسة‭ ‬“الحمائية”‭. ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الأميريكية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬والجيران‭. ‬وبدأت‭ ‬مع‭ ‬كندا‭ ‬والمكسيك‭ ‬ثم‭ ‬تراجعت‭. ‬وبسبب‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات،‭ ‬فرضت‭ ‬أمريكا‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬المنتجات‭ ‬الواردة‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬ترتفع‭ ‬أسعارها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يتناولها‭ ‬المستهلك‭ ‬الأمريكي‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬مثلا،‭ ‬النقاش‭ ‬الحاد‭ ‬جدا‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬عن‭ ‬المشروبات‭ ‬الروحية‭ ‬الفرنسية‭ ‬والرسوم‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬وسط‭ ‬الدهشة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ومن‭ ‬الأمريكان‭ ‬أنفسهم‭.‬

ولم‭ ‬يسلم‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬ترامب‭ ‬الحمائية‭ ‬التي‭ ‬تتأتي‭ ‬بغتة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولكن‭ ‬الوضع‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬أخذ‭ ‬اتجاها‭ ‬متصاعدا‭ ‬من‭ ‬الجانبين‭ ‬ومتجاوز‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬المتأزم،‭ ‬شكل‭ ‬“حربا‭ ‬تجارية”‭ ‬شعواء‭ ‬بين‭ ‬العملاقين‭ ‬الاقتصاديين‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تصدر‭ ‬أمريكا‭ ‬ضرائب‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الصينية،‭ ‬ونجد‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬قرارا‭ ‬صينيا‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الانتقام‭ ‬والتفشي‭ ‬مما‭ ‬يحرم‭ ‬البضائع‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬سوق‭ ‬مستهلك‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وهكذا‭ ‬يستمر‭ ‬الموقف‭ ‬متأزما‭ ‬ومنذرا،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬أمر‭ ‬فيها‭ ‬ترامب‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بمغادرة‭ ‬الصين،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ضرر‭ ‬كبير‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه‭ ‬وللشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬مصانع‭ ‬عملاقة‭ ‬في‭ ‬الصين؛‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬سعر‭ ‬العمالة‭ ‬وغيرها‭.‬

ومن‭ ‬مخاطر‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬يتهم‭ ‬الصين،‭ ‬جهارا‭ ‬نهارا،‭ ‬باتباع‭ ‬ممارسات‭ ‬تجارية‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬وغير‭ ‬سليمة‭ ‬وسرقة‭ ‬حقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬لبعض‭ ‬المنتجات‭ ‬التقنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتطورة‭. ‬وهذه‭ ‬اتهامات‭ ‬خطيرة‭ ‬لبلد‭ ‬كبير‭ ‬وآثارها‭ ‬عميقة‭ ‬لشعب‭ ‬يفوق‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬يعمل‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬دون‭ ‬توقف‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تضرب‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬“وتر”‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬المنغمسة‭ ‬في‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الجشعة،‭ ‬تعمل‭ ‬هذا‭ ‬لكبح‭ ‬ثورتها‭ ‬التجارية‭ ‬ونموها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتصاعد‭ ‬دون‭ ‬توقف‭. ‬

وبتدخل‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬وجهات‭ ‬أممية،‭ ‬تظل‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬جارية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬متقلبة‭ ‬ومتصارعة‭. ‬وتزداد‭ ‬شقة‭ ‬الخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬فنية‭ ‬عديدة‭ ‬بينها‭ ‬كيفية‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬التعريفات‭ ‬الجديدة‭ ‬والتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بشأنها،‭ ‬ومما‭ ‬يفاقم‭ ‬الأمور‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬بسبب‭ ‬المرارات‭ ‬التي‭ ‬تعرضوا‭ ‬لها‭. ‬

النزاع‭ ‬الصيني‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والذي‭ ‬وصل‭ ‬لمرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الكبيرين،‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬حادة‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬وبصورة‭ ‬مباشرة‭. ‬واتضح‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬والإحصاءات‭ ‬مدى‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬لهذا‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬والأضرار‭ ‬بالأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬ومن‭ ‬المخاطر‭ ‬الواضحة،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المتأزم‭ ‬بين‭ ‬العملاقين‭ ‬التجاريين‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬كساد‭ ‬تجاري‭ ‬عالمي؛‭ ‬نظرا‭ ‬لأن‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬مربوطة‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭. ‬وإذا‭ ‬تعطلت‭ ‬أو‭ ‬تدهورت‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬العمالقة‭ ‬التجاريين،‭ ‬فان‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬سيتضرر‭ ‬وينكمش‭ ‬وهذا‭ ‬قطعا‭ ‬سيأتي‭ ‬بالكساد‭ ‬والخسران‭ ‬المبين‭ ‬ويتضرر‭ ‬الصغار‭ ‬ومن‭ ‬يدور‭ ‬معهم‭.‬

نظرا‭ ‬لأن‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬مرتبطة‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬“منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية”‭ ‬لرعاية‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬ورعايتها‭ ‬وتنميتها‭ ‬وزيادتها،‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬أطراف‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭. ‬ولقد‭ ‬قامت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬بإصدار‭ ‬أحدث‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬الخاصة‭ ‬بتقنين‭ ‬وتنظم‭ ‬المسائل‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬حتى‭ ‬تستمر‭ ‬الأمور‭ ‬التجارية‭ ‬لمصلحة‭ ‬الجميع‭ ‬وبرغبة‭ ‬ودعم‭ ‬الجميع‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬قوانين‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬كل‭ ‬الحدود‭ ‬للتجارة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬لأي‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬فئة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬المنافسة‭ ‬التجارية‭ ‬غير‭ ‬الشريفة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬الجميع‭ ‬لتثبيت‭ ‬أركانها‭. ‬وظلت‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬لتأصيل‭ ‬مبادئ‭ ‬التجارة‭ ‬الشريفة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أركان‭ ‬العالم،‭ ‬إضافة‭ ‬لمنع‭ ‬الممارسات‭ ‬التجارية‭ ‬غير‭ ‬السليمة‭ ‬كالحروب‭ ‬التجارية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يقود‭ ‬إليها‭. ‬

ولكن،‭ ‬نجد‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين‭ ‬يمارسان‭ ‬ما‭ ‬يرغبان‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬لمنظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬انتظار‭ ‬توجيهاتها،‭ ‬ودون‭ ‬الرجوع‭ ‬للقوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة،‭ ‬بل‭ ‬إنهما‭ ‬يتحاربان‭ ‬دون‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬آثر‭ ‬ما‭ ‬يقومان‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬وعلى‭ ‬الدول،‭ ‬ولذا‭ ‬نجد‭ ‬عدم‭ ‬قبول‭ ‬لما‭ ‬يحدث،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬صدمة‭ ‬عالمية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭. ‬وبسبب‭ ‬الصدمة‭ ‬وغيرها‭ ‬تضعضع‭ ‬الوضع‭ ‬العالمي‭ ‬مما‭ ‬يقود‭ ‬لخلل‭ ‬وكساد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهذا‭ ‬الطوفان،‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬سقف‭ ‬كان‭. ‬والسؤال،‭ ‬أين‭ ‬العالم‭ ‬وأين‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬وأين‭ ‬عقلاء‭ ‬العالم‭.‬