ومضة قلم

من يعيد للمعلم هيبته

| محمد المحفوظ

المُهمة‭ ‬والرسالة‭ ‬التي‭ ‬ينهض‭ ‬بها‭ ‬المعلم‭ ‬ليست‭ ‬كبقية‭ ‬المهمات‭ ‬أو‭ ‬الميادين‭ ‬الأخرى،‭ ‬إنها‭ ‬رسالة‭ ‬مقدسة،‭ ‬بل‭ ‬إنّها‭ ‬أمانة‭ ‬عظيمة‭ ‬ارتضوا‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬وتحمّل‭ ‬أعبائها‭ ‬بشجاعة‭ ‬ومسؤولية‭ ‬منذ‭ ‬انطلاق‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬قبل‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬بالتمام،‭ ‬حيث‭ ‬تحتفل‭ ‬به‭ ‬المملكة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التذكير‭ ‬بما‭ ‬يحفل‭ ‬به‭ ‬تراثنا‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬بحق‭ ‬من‭ ‬نذر‭ ‬نفسه‭ ‬لأقدس‭ ‬مهنة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬لكننا‭ ‬نكتفي‭ ‬بالتذكير‭ ‬بما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬رسولنا‭ ‬الأكرم‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬“من‭ ‬علمك‭ ‬حرفا‭ ‬فإنه‭ ‬سيدك‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬القيامة”‭. ‬أما‭ ‬التساؤل‭ ‬أو‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬المعلمين‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬دراسي‭ ‬جديد‭ ‬فإنها‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الوظيفية‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬درجاتهم‭ ‬وهذا‭ ‬حق‭ ‬لهم،‭ ‬لكن‭ ‬مناشداتهم‭ ‬لمن‭ ‬بيده‭ ‬القرار‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬صون‭ ‬كرامتهم‭. ‬إنهم‭ ‬يتعرضون‭ ‬إلى‭ ‬الإهانة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬أمنت‭ ‬العقوبة‭ ‬فأساءت‭ ‬الأدب،‭ ‬والخلل‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬العقوبات‭ ‬الرادعة‭ ‬لمن‭ ‬استمرأوا‭ ‬واعتادوا‭ ‬إسقاط‭ ‬هيبة‭ ‬المعلمين‭ ‬والحط‭ ‬من‭ ‬مكانتهم،‭ ‬ولو‭ ‬أنّ‭ ‬اللوائح‭ ‬والجزاءات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬كانت‭ ‬رادعة‭ ‬لما‭ ‬تعرض‭ ‬معلم‭ ‬لأي‭ ‬موقف‭ ‬يمس‭ ‬كرامته‭. ‬

ليس‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬نشير‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬“الضرب”،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يوافق‭ ‬عليه‭ ‬أحد،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نرمي‭ ‬إليه‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الجزاءات‭ ‬بحق‭ ‬الطلبة‭ ‬المشاغبين،‭ ‬والأدهى‭ ‬أنّ‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متوقفا‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬اللفظي‭ ‬وحده‭ ‬–‭ ‬رغم‭ ‬خطورته‭ ‬–‭ ‬لكنه‭ ‬تعداه‭ ‬إلى‭ ‬الاعتداءات‭ ‬البدنية‭.‬

إنّ‭ ‬حفظ‭ ‬كرامة‭ ‬المعلمين‭ ‬حق‭ ‬أصيل‭ ‬واعتراف‭ ‬بالجميل‭ ‬لمن‭ ‬أفنوا‭ ‬زهرة‭ ‬شبابهم‭ ‬في‭ ‬إنارة‭ ‬العقول‭ ‬وتعبير‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬الوفاء‭ ‬لهم‭ ‬نظير‭ ‬أفضال‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬بأجمعها،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬المناصب‭ ‬وأعلى‭ ‬الوظائف‭ ‬لا‭ ‬يتنكرون‭ ‬لمن‭ ‬غرسوا‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬بذرة‭ ‬العلم،‭ ‬ولا‭ ‬يجحدون‭ ‬ما‭ ‬أسدوه‭ ‬من‭ ‬فضائل‭. ‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬الجميع‭ ‬اليوم‭ ‬مدينون‭ ‬لمربي‭ ‬الأجيال،‭ ‬ولعل‭ ‬أحد‭ ‬أخطر‭ ‬أدوار‭ ‬المعلم‭ ‬وأبرزها‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬القدوة‭ ‬والنموذج‭ ‬الذي‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬ونستحضر‭ ‬مقولة‭ ‬لأحد‭ ‬المفكرين‭ ‬مفادها‭ ‬“اثنان‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لهما‭ ‬بالاستقالة‭ ‬لأي‭ ‬سبب،‭ ‬المعلم‭ ‬والطبيب‭ ‬لأن‭ ‬الأخير‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬الأمة،‭ ‬لكنّ‭ ‬المعلم‭ ‬أنيطت‭ ‬به‭ ‬مسؤولية‭ ‬عقلها”‭.‬