ياسمينيات

ويانا ولا علينا؟

| ياسمين خلف

أحدهم،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬أعرفهم‭ ‬حق‭ ‬المعرفة،‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬للاستدانة،‭ ‬لما‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬سخية‭ ‬مبسوطة،‭ ‬وبما‭ ‬حباه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬خير،‭ ‬البعض‭ ‬يجعله‭ ‬دياناً‭ ‬ويرجعه‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬رزقه‭ ‬من‭ ‬فضله،‭ ‬والأغلبية‭ ‬يستدينون‭ ‬منه،‭ ‬وفي‭ ‬نيتهم‭ ‬المبيتة‭ ‬أنها‭ ‬عطية‭ ‬ليست‭ ‬عليهم‭ ‬تأديتها‭. ‬أخونا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عسر‭ ‬بعد‭ ‬يسر،‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬كما‭ ‬كان،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬جاءوا‭ ‬طالبين‭ ‬ديناً‭ ‬وتناسوا‭ ‬إرجاعه،‭ ‬هو‭ ‬يملك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يملكه،‭ ‬وفي‭ ‬المحصلة‭ ‬جيب‭ ‬فارغ‭ ‬وكف‭ ‬تضرب‭ ‬الأخرى‭.‬

جاءني‭ ‬هذا‭ ‬الخاطر،‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬تصريحا‭ ‬لأحد‭ ‬النواب،‭ ‬جعلني‭ ‬أتساءل‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭: ‬“هذلين‭ ‬ويانا‭ ‬ولا‭ ‬علينا؟”،‭ ‬هل‭ ‬رشحوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬ليكونوا‭ ‬صوتاً‭ ‬للشعب،‭ ‬ينقلون‭ ‬همومه،‭ ‬ويدافعون‭ ‬عن‭ ‬حقوقه،‭ ‬أم‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬آخر،‭ ‬فيطالبون‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬عكس‭ ‬تيار‭ ‬مصلحة‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد؟‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬استماتتهم‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقوق،‭ ‬هي‭ ‬بالأحرى‭ ‬حقوق‭ ‬للنواب‭ ‬وليس‭ ‬للشعب‭!‬

اقتراح‭ ‬النائب‭ ‬الكريم‭ ‬بالسماح‭ ‬للحكومة‭ ‬بالاقتراض‭ ‬من‭ ‬الصناديق‭ ‬المحلية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬صندوقي‭ ‬التأمين‭ ‬ضد‭ ‬التعطل،‭ ‬واحتياطي‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬جيب‭ ‬أخينا‭ ‬الذي‭ ‬نفد‭ ‬بعد‭ ‬كرمه‭ ‬واستدانة‭ ‬علان‭ ‬وفلتان‭ ‬منه،‭ ‬وجلس‭ ‬يضرب‭ ‬كفاً‭ ‬بكف،‭ ‬فهو‭ ‬يملك،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسربت‭ ‬جل‭ ‬أمواله‭ ‬لجيوب‭ ‬الآخرين‭.‬

هل‭ ‬أريد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراح‭ ‬أن‭ ‬يستنفد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬جمعه‭ ‬لدعم‭ ‬العاطلين‭ ‬وتأمين‭ ‬مستقبل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬قروض‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬متى‭ ‬تُرجع،‭ ‬وكيف‭ ‬وأين‭ ‬ستذهب؟‭ ‬ألا‭ ‬تكفي‭ ‬تلك‭ ‬الملايين‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اقتراضها‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬التأمين‭ ‬ضد‭ ‬التعطل‭ ‬لدعم‭ ‬مشروع‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري؟‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتكدس‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬والحاجة‭ ‬تقض‭ ‬مضاجعهم‭! ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الملايين‭ ‬فائضة‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬النواب‭ ‬أيضاً‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬لماذا‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬تستقطع‭ ‬من‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين‭ ‬تلك‭ ‬النسبة‭ ‬كبدل‭ ‬للتعطل؟

أقول‭ ‬للنواب‭ ‬لا‭ ‬تكونوا‭ ‬كرماء‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬غيركم،‭ ‬فإن‭ ‬استفتيتم‭ ‬الشعب،‭ ‬وأخذتم‭ ‬موافقته‭ ‬في‭ ‬السماح‭ ‬باقتراض‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصناديق،‭ ‬حينها،‭ ‬وحينها‭ ‬فقط،‭ ‬يمكنكم‭ ‬أن‭ ‬تمثلوا‭ ‬الشعب‭ ‬وتكونوا‭ ‬صوته،‭ ‬وإلا‭ ‬حددوا‭ ‬موقفكم‭ (‬أنتم‭ ‬معنا‭ ‬كشعب‭ ‬أم‭ ‬علينا‭)‬؟‭.‬

 

ياسمينة‭: ‬ على‭ ‬النواب‭ ‬أن‭ ‬يعوا‭ ‬دورهم‭.‬