وَخْـزَةُ حُب

لبعض الأطباء... عَرضًا وليس مرضًا!

| د. زهرة حرم

هذه‭ ‬مقالة‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬اتهامًا‭ ‬لأحد؛‭ ‬لكنها‭ ‬تضع‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬جراح‭ ‬لا‭ ‬تُعالج‭ ‬أبدًا‭! ‬فمؤخرا‭  ‬اختفى‭ ‬الاهتمام‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وانتشر‭ ‬الإهمال،‭ ‬وزادت‭ ‬اللامبالاة؛‭ ‬بحجة‭ ‬الانشغال‭ ‬الشديد،‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬اللحاق‭ ‬بركب‭ ‬الساعة‭ ‬السريع،‭ ‬الذي‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬دوام‭ ‬وظيفي‭ ‬بارد،‭ ‬وكأن‭ ‬الهمّ‭ ‬الشاغل‭ ‬لدى‭ ‬“البعض”‭ ‬هو‭ ‬رمي‭ ‬حمولة‭ ‬اليوم؛‭ ‬ونفض‭ ‬اليد‭ ‬والضمير‭ ‬عنها،‭ ‬ليحل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يوم‭ ‬روتيني‭ ‬بليد‭ ‬آخر؛‭ ‬حيث‭ ‬يتكرر‭ ‬المشهد‭ ‬السطحي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُجيد‭ ‬فيه‭ ‬هؤلاء‭ ‬لغة‭ ‬التمثيل‭!‬

إنني‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬“البعض”‭ ‬من‭ ‬الأطباء،‭ ‬الذين‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬أصحاب‭ ‬دكاكين،‭ ‬يتاجرون‭ ‬بأجساد‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الملأ،‭ ‬شاهر‭ ‬ظاهر،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يُحسنون‭ ‬لغة‭ ‬“الإنصات”،‭ ‬ولم‭ ‬يتعلموا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬–‭ ‬اكتساب‭ ‬مبادئ‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ابتسامة‭ ‬على‭ ‬خدودهم؛‭ ‬علّها‭ ‬تشفي‭ ‬روح‭ ‬مريض؛‭ ‬سعى‭ ‬إليهم‭ ‬شاكيًا‭ ‬علة‭! ‬تجد‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬ضائقًا‭ ‬كَمَدا‭ ‬من‭ ‬مريضه،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يطوي‭ ‬موعده‭ ‬سريعًا؛‭ ‬ليتخلص‭ ‬منه؛‭ ‬ويباشر‭ ‬مريضًا‭ ‬آخر،‭ ‬وهكذا‭ ‬يقضي‭ ‬بقية‭ ‬يومه،‭ ‬ما‭ ‬هذا؟‭!‬

إنني‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬“البعض”‭ ‬ممنْ‭ ‬أُسميهم‭ ‬“أطباء‭ ‬المُسكنات”،‭ ‬أو‭ ‬“المُسكِّتات”،‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يُتقنون‭ ‬سوى‭ ‬لغة‭ ‬“الطبطبة”‭ ‬والتنويم،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬جعلوا‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬أطباء‭ ‬تخدير‭ ‬عام،‭ ‬فما‭ ‬عليك‭ ‬أيها‭ ‬المريض‭ ‬سوى‭ ‬عرض‭ ‬فداحة‭ ‬ما‭ ‬لديك‭ ‬من‭ ‬ألم،‭ ‬وأبشر‭ ‬بحقن‭ ‬وأدوية‭ ‬التخدير،‭ ‬بل‭ ‬عِش‭ ‬عليها‭ ‬سنوات‭ ‬مديدة‭ ‬من‭ ‬عمرك،‭ ‬وإذا‭ ‬وجدت‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تنفع؛‭ ‬لا‭ ‬تقلق،‭ ‬هناك‭ ‬مخدر‭ ‬أقوى،‭ ‬أو‭ ‬شركة‭ ‬أخرى؛‭ ‬فجسمك‭ ‬اعتاد‭ ‬الدواء‭ ‬الفلاني،‭ ‬وسنباغته‭ ‬أو‭ ‬نخدعه‭ ‬بآخر،‭ ‬فقط‭ ‬ارجع‭ ‬إلى‭ ‬بيتك‭ ‬مطمئنا‭ ‬قرير‭ ‬العين؛‭ ‬فالشركات‭ ‬المُصنّعة‭ ‬الكبيرة‭ ‬لم‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬اختراع‭ ‬الأدوية‭ ‬بعد‭!‬

إنني‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬“البعض”‭ ‬من‭ ‬الأطباء،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يدرسوا‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬يفرقون‭ ‬بين‭ ‬“المَرض‭ ‬والعَرض”؛‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬–‭ ‬أيها‭ ‬المريض‭ ‬غير‭ ‬المتخصص‭ ‬–‭ ‬يعالجون‭ ‬أعراض‭ ‬وظواهر‭ ‬مرضك؛‭ ‬لأنك‭ ‬–‭ ‬فقط‭ ‬–‭ ‬تشتكي‭ ‬لهم‭ ‬منها،‭ ‬وبذلك؛‭ ‬فهم‭ ‬يعالجون‭ ‬شكواك،‭ ‬لا‭ ‬مرضك‭! ‬باختصار‭: ‬يحومون‭ ‬حوله‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يصلون‭ ‬إليه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬أدويتك‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬حياتك‭! ‬طيب‭ ‬إلى‭ ‬متى؟‭ ‬لولا‭ ‬أنها‭ ‬عرض‭ ‬لا‭ ‬مرض،‭ ‬فلو‭ ‬وُضعت‭ ‬أيديهم‭ ‬على‭ ‬جراحاتك؛‭ ‬لتوقفت‭ ‬لقاحاتك‭! ‬

فقط،‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الإنصات،‭ ‬ومسحة‭ ‬من‭ ‬ابتسامة،‭ ‬ومجاملة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬صدقة،‭ ‬و”لا”‭ ‬كبيرة‭ ‬للمسكنات‭ ‬الوقتية‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬المريض‭ ‬لوعة‭ ‬ومرارة‭ ‬واكتئابًا‭ ‬ويأسًا‭. ‬فماذا‭ ‬سينقص‭ ‬بعضكم‭ ‬لو‭ ‬اهتم‭ ‬أكثر،‭ ‬ومارس‭ ‬دور‭ ‬التلميذ‭ ‬وبحث‭ ‬وسأل‭ ‬واستفسر؛‭ ‬ليتفهم‭ ‬العرض‭ ‬من‭ ‬المرض،‭ ‬وأفاد‭ ‬نفسه‭ ‬قبل‭ ‬الآخرين‭! ‬وتحية‭ ‬كبيرة‭ ‬للأطباء‭ ‬الحقيقيين‭ ‬الذين‭ ‬يسبق‭ ‬حرصُهم‭ ‬واهتمامهم‭ ‬وصفاتهم‭ ‬الدوائية‭!.‬