ريشة في الهواء

من البحر إلى البحر

| أحمد جمعة

مع‭ ‬توجيه‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬لمعالجة‭ ‬موضوع‭ ‬سحب‭ ‬الرمال،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬حرص‭ ‬سموه‭ ‬كعادته‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬الفورية‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهموم‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬فقد‭ ‬تبادرت‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬مسألة‭ ‬البيئة‭ ‬برمتها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬المستقبلية‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬فموضوع‭ ‬البيئة‭ ‬وحمايتها‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مهمة‭ ‬الحكومة‭ ‬وحدها،‭ ‬فالقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية،‭ ‬وأعني‭ ‬هنا‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬مشروعات‭ ‬استحوذت‭ ‬على‭ ‬السواحل‭ ‬ومياه‭ ‬البحر‭ ‬وبلغت‭ ‬أعماقه،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬سبقها‭ ‬سحب‭ ‬الرمال‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬بالبحر،‭ ‬ودفن‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬مزدوجة‭ ‬تتخطى‭ ‬البيئة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬سلامة‭ ‬البحر‭ ‬واليابسة،‭ ‬فقد‭ ‬ضاق‭ ‬البحر‭ ‬واختفت‭ ‬السواحل‭ ‬وفقدت‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية‭ ‬زخمها،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البحرين‭ ‬رائدة‭ ‬بهذا‭ ‬المجال‭ ‬صارت‭ ‬تزرع‭ ‬وتستورد‭ ‬الأسماك‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬توازي‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬بجدية‭ ‬ورقابة‭ ‬لإنشاء‭ ‬المدن‭ ‬والجزر،‭ ‬فهناك‭ ‬حدود‭ ‬للبحر‭ ‬إذا‭ ‬سخط،‭ ‬وهناك‭ ‬حدود‭ ‬لليابسة‭ ‬إذا‭ ‬غضبت،‭ ‬فلكل‭ ‬شيء‭ ‬حدود،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬العقاري‭ ‬الذي‭ ‬همه‭ ‬الأول‭ ‬بناء‭ ‬الناطحات‭ ‬والجزر‭ ‬والمدن‭ ‬أن‭ ‬يراعي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬يابسة،‭ ‬وأن‭ ‬البحر‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مياه‭ ‬حرة،‭ ‬هناك‭ ‬نتائج‭ ‬وتداعيات‭ ‬لن‭ ‬نراها‭ ‬اليوم‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬وأكثر‭ ‬سيلعننا‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬سيعيش‭ ‬بهذا‭ ‬الوطن‭ ‬لأننا‭ ‬سلمنا‭ ‬له‭ ‬وطنا‭ ‬مزقته‭ ‬المصالح‭ ‬ولم‭ ‬يفكر‭ ‬أهله‭ ‬بمستقبل‭ ‬أجيالهم‭.‬

لقد‭ ‬أثار‭ ‬توجيه‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بضرورة‭ ‬دراسة‭ ‬موضوع‭ ‬سحب‭ ‬الرمال،‭ ‬أشجاني‭ ‬ودفعني‭ ‬للتذكير‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬المقال‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬أكتبه،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬حذرت‭ ‬من‭ ‬قضم‭ ‬البحر،‭ ‬فأذكر‭ ‬وأنا‭ ‬بسن‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭ ‬حين‭ ‬ألتحق‭ ‬بفصل‭ ‬الإجازة‭ ‬المدرسية‭ ‬مع‭ ‬خالي‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬أننا‭ ‬نجتاز‭ ‬المسافة‭ ‬من‭ ‬مرفأ‭ ‬المحرق‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬جسر‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بعدة‭ ‬كيلومترات‭ ‬وحينها‭ ‬نبلغ‭ ‬العمق،‭ ‬واليوم‭ ‬عندما‭ ‬أتأمل‭ ‬الجزر‭ ‬والمدن‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬بلغت‭ ‬تلك‭ ‬النقطة،‭ ‬فماذا‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬ما‭ ‬بالك‭ ‬بالسواحل‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ملكاً‭ ‬خاصا،‭ ‬لا‭ ‬تقترب‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬بتصريح‭ ‬وفاتورة،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السواحل‭ ‬كانت‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬ملكاً‭ ‬للمواطن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسترزق‭ ‬بالصيد‭ ‬وللباحثين‭ ‬عن‭ ‬الترفيه‭ ‬والفرجة‭ ‬ممن‭ ‬كانوا‭ ‬يرتادون‭ ‬تلك‭ ‬السواحل‭ ‬التي‭ ‬أضحت‭ ‬للأسف‭ ‬عزبة‭ ‬خاصة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬مع‭ ‬الحكومة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فعلى‭ ‬الحكومة‭ ‬إجباره‭ ‬بالقوانين‭ ‬والتشريعات،‭ ‬وإلا‭ ‬سترث‭ ‬أجيالنا‭ ‬وطنا‭ ‬بلا‭ ‬بحر،‭ ‬وبلا‭ ‬يابسة‭.‬

تنويرة‭:

‬لا‭ ‬تسرع‭ ‬وقت‭ ‬البطء‭ ‬ولا‭ ‬تبطئ‭ ‬وقت‭ ‬السرعة‭!.‬