سوالف

أين هو جيل الستينات والسبعينات الذي كان يقدس الأدب

| أسامة الماجد

كانت‭ ‬السبعينات‭ ‬فترة‭ ‬سيطرة‭ ‬الرومانسية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬رقة‭ ‬وعذوبة،‭ ‬ومن‭ ‬كآبة‭ ‬وحب،‭ ‬ووجدان‭ ‬وهيمان‭ ‬وتفجير‭ ‬للأحاسيس‭ ‬الذائبة‭ ‬واللهفات‭ ‬الروحية،‭ ‬هذه‭ ‬كلها‭ ‬كان‭ ‬يصورها‭ ‬شعراء‭ ‬البحرين‭ ‬بعبارات‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬الروح،‭ ‬تتناسب‭ ‬معها‭ ‬رقة‭ ‬ولطفا‭ ‬وموسيقى،‭ ‬وتنسجم‭ ‬مع‭ ‬الأحاسيس‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬نشوتها‭ ‬وخمولها،‭ ‬في‭ ‬رقتها‭ ‬وعنفها،‭ ‬في‭ ‬حبها‭ ‬وغضبها،‭ ‬في‭ ‬فرحها‭ ‬وحزنها،‭ ‬فكان‭ ‬الشعر‭ ‬حينذاك‭ ‬التعبير‭ ‬الأصدق‭ ‬عن‭ ‬الحياة،‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬غاية‭ ‬الأدب،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الأدب‭ ‬لصيقا‭ ‬بالحياة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أبعادها‭ ‬وأعماقها،‭ ‬حتى‭ ‬الأمسيات‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنظمها‭ ‬الأندية‭ ‬والجمعيات‭ ‬الثقافية‭ ‬كانت‭ ‬تغص‭ ‬بالمواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يتذوقون‭ ‬الشعر،‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬كرسيا‭ ‬خاليا،‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬الصور‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الأرشيف‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬ذلك،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬اختل‭ ‬الميزان‭ ‬وهوة‭ ‬القطيعة‭ ‬تزداد‭ ‬عمقا‭ ‬واتساعا‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬والأدب‭ ‬بعمومه‭.‬

كم‭ ‬شخصا‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬أمسية‭ ‬شعرية؟‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬باستثناء‭ ‬المتذوق،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬مختلفا‭ ‬كليا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬الجميل،‭ ‬فاليوم‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬أخذ‭ ‬الأدب‭ ‬مكانه‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الصف‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظل‭ ‬زمنا‭ ‬طويلا‭ ‬سيد‭ ‬الفنون‭ ‬كلها‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬لرتم‭ ‬الحياة‭ ‬السريع‭ ‬ودخول‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تأثيرات‭ ‬مرضية‭ ‬وخيمة‭ ‬جعلت‭ ‬الناس‭ ‬يتراجعون‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬وحضور‭ ‬الأمسيات‭ ‬الأدبية،‭ ‬وهذا‭ ‬مؤشر‭ ‬خطير‭ ‬سيترك‭ ‬طابعه‭ ‬الغريب‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬بأكمله،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ستتحول‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬إلى‭ ‬كماليات‭ ‬أو‭ ‬أرملة‭ ‬جميلة‭ ‬تندب‭ ‬حظها‭. ‬

الحياة‭ ‬الراهنة‭ ‬والمشاهد‭ ‬اليومية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تهتم‭ ‬بالأدب‭ ‬والثقافة‭ ‬مثل‭ ‬جيل‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬ومحرك‭ ‬عجيب‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬هل‭ ‬أسميها‭ ‬ظاهرة‭ ‬مرضية‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تغير‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬وتجدد‭ ‬الحركة،‭ ‬أم‭ ‬ماذا؟

في‭ ‬البحرين‭ ‬تقام‭ ‬أنشطة‭ ‬أدبية‭ ‬وفكرية‭ ‬وأمسيات‭ ‬شعرية‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬طول‭ ‬البلاد‭ ‬وعرضها،‭ ‬لكن‭ ‬أين‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬يبهر‭ ‬والجدير‭ ‬بحمل‭ ‬شعلة‭ ‬جيل‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات‭.‬