قهوة الصباح

نظرية البجعة السوداء في الحب والسياسة والاقتصاد (33)

| سيد ضياء الموسوي

نظرية‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬نظرية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالأحداث‭ ‬النادرة‭. ‬وقد‭ ‬بنيت‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬السائدة‭ ‬بأن‭ ‬البجع‭ ‬كله‭ ‬أبيض،‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬البجع‭ ‬الأسود‭ ‬في‭ ‬أستراليا،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬حدثا‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬أبدا،‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الاحتمالات‭ ‬منطقية‭. ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬مخيفة‭ ‬وقد‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الغرامية‭ ‬والحب‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬أيضا‭. ‬

فمن‭ ‬ناحية‭ ‬الحب،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬اطمئنانك‭ ‬لعلاقة‭ ‬غرامية‭ ‬مفعمة‭ ‬بالحب‭ ‬ومتماسكة‭ ‬ظاهريا‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬تعتقد،‭ ‬وإذا‭ ‬يحدث‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬فتحول‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬أو‭ ‬أشلاء‭ ‬علاقة‭ ‬تلاحقك‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭. ‬فقد‭ ‬تتلقى‭ ‬طعنة‭ ‬غدر‭ ‬أو‭ ‬توحش‭ ‬قدر‭ ‬أو‭ ‬مؤامرة‭ ‬مقربين‭. ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬خرجت‭ ‬للأميرة‭ ‬ديانا،‭ ‬فالملايين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منبهرة،‭ ‬وبعضها‭ ‬كانت‭ ‬تحسدها‭ ‬عند‭ ‬مشاهدتها‭ ‬ليلة‭ ‬الزفاف‭ ‬الأسطوري‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ (‬البجعة‭ ‬السوداء‭) ‬خرجت‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭ ‬المأساوية‭ ‬بباريس‭.‬

من‭ ‬كان‭ ‬يصدق‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬لنجمة‭ ‬السينما‭ ‬الأميركية‭ ‬الحسناء‭ ‬مارلين‭ ‬مونرو‭ ‬بالنهاية‭ ‬المأساوية‭. ‬لا‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬المنصب،‭ ‬فكلها‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬بجعا‭ ‬سوداء‭ ‬من‭ ‬الصدف،‭ ‬وأنت‭ ‬لا‭ ‬تعلم‭. ‬كل‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬فيك‭ ‬فخ‭ ‬مستقبلي،‭ ‬وكل‭ ‬إغراء‭ ‬ظاهري‭ ‬بجعة‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬الباطن‭. ‬كن‭ ‬وسطيا،‭ ‬استمتع‭ ‬بكوكتيل‭ ‬الحياة،‭ ‬ولا‭ ‬تجعل‭ ‬شيئا‭ ‬محور‭ ‬حياتك‭ ‬عدا‭ ‬الله‭.‬

إن‭ ‬نظرية‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬تلتقي‭ ‬بجهة‭ ‬أخرى‭ ‬مما‭ ‬طرحه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الألماني‭ ‬هيغل‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ (‬مكر‭ ‬التاريخ‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬مفادها‭: ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الحسابات‭ ‬الرقمية،‭ ‬وتوازنات‭ ‬الحياة‭ ‬الظاهرية،‭ ‬وغطرسة‭ ‬القوة،‭ ‬وانتفاخ‭ ‬نرجسية‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬تكاثر‭ ‬المال،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬تحصين‭ ‬مطلق‭ ‬من‭ ‬مكر‭ ‬تاريخ‭ ‬أو‭ ‬غدر‭ ‬حبيب‭ ‬أو‭ ‬انقلاب‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬تبخر‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬منصب‭. ‬الحبيب‭ ‬جلاد‭ ‬تحت‭ ‬التدريب‭. ‬هل‭ ‬كان‭ ‬نابليون‭ ‬في‭ ‬حملاته‭ ‬وأوج‭ ‬قوته‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬النهاية‭ ‬مأساوية؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬مع‭ ‬خططه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬خطط‭ ‬أخرى‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬نخطط‭ ‬والتاريخ‭ ‬يضحك‭ ‬علينا‭. ‬قرأت‭ ‬النظرية‭ ‬الميكافيلية،‭ ‬وأطروحات‭ ‬روبرت‭ ‬كرين‭ ‬في‭ ‬كتابيه‭ (‬فن‭ ‬الإغواء‭)‬،‭ ‬و‭(‬كيف‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬القوة‭)‬،‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بنظرية‭ ‬إلغاء‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬فمهما‭ ‬كان‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬مغريا‭ ‬وأسطوريا‭ ‬يبدأ‭ ‬السوس‭ ‬ينخر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.‬

ومدرسة‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬“ع”‭ ‬تقول‭: (‬من‭ ‬سل‭ ‬سيف‭ ‬البغي‭ ‬قتل‭ ‬به‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للنازية‭ ‬والإستالينية‭. ‬من‭ ‬كان‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬أمبراطورية‭ ‬بريطانيا‭ ‬تتهاوى،‭ ‬وتسقط‭ ‬مستعمراتها‭ ‬حتى‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬حجمها‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ويصبح‭ ‬اقتصاد‭ ‬الصين‭ ‬واليابان‭ ‬وألمانيا‭ ‬أقوى‭ ‬منها‭! ‬حتى‭ ‬الحضارات‭ ‬تشيخ‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تلتفت‭ ‬لخطورة‭ ‬بجعات‭ ‬سوداء‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭.‬

أين‭ ‬هو‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإسباني؟‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬محصن‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬وكلما‭ ‬مزجنا‭ ‬العقل‭ ‬بالقلب‭ ‬مع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬سنصل‭ ‬لحياة‭ ‬أكثر‭ ‬أمنا‭ ‬وسعادة‭. ‬والسؤال‭: ‬هل‭ ‬نحذر‭ ‬من‭ ‬خروج‭ ‬بجعة‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد؟‭ ‬كل‭ ‬النظريات‭ ‬تسقط‭ ‬أمام‭ ‬مكر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فأين‭ ‬هم‭ ‬المستشارون‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬للدول‭ ‬العظمى‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬عندما‭ ‬ضرب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬أزمة‭ ‬ظمى‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1929،‭ ‬والأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬النمور‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الآسيوية‭ ‬العام‭ ‬1997،‭ ‬وأزمة‭ ‬الرهن‭ ‬العقاري‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬2008‭. ‬وأنا‭ ‬أتوقع‭ ‬خلال‭ ‬عامين‭ ‬تكون‭ ‬الأزمة‭ ‬الكبرى‭ ‬بسبب‭ ‬تعملق‭ ‬الديون‭ ‬العالمية‭ ‬بشكل‭ ‬مرعب‭. ‬فهي‭ ‬بالتريليونات،‭ ‬وستكون‭ ‬الأشد‭. ‬

البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬مختلفة‭. ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬لأميركا‭. ‬ظهرت‭ ‬للعراقيين‭ ‬عندما‭ ‬أسقطوا‭ ‬النظام‭ ‬الملكي،‭ ‬وابتلت‭ ‬الدول‭ ‬بلوثة‭ ‬المراهقات‭ ‬بسقوط‭ ‬الأنظمة‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬والعراق‭ ‬ومصر،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نشهد‭ ‬خراب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الآن‭ ‬بالعنتريات‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬قتلت‭ ‬ذبابة‭. ‬

ظهرت‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬لصدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭. ‬ظهرت‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬الآن‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬للرئيس‭ ‬التركي‭ ‬عندما‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬نظرية‭ ‬تصفير‭ ‬الأزمات‭ ‬مع‭ ‬الجوار‭ ‬الى‭ ‬إشعالها‭ ‬تحت‭ ‬إغواء،‭ ‬وبريق‭ ‬عودة‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬ومحاولاته‭ ‬لإضعاف‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية‭. ‬احذروا‭ ‬من‭ ‬صدفة‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء،‭ ‬فهي‭ ‬تخرج‭ ‬عندما‭ ‬تتراكم‭ ‬الأخطاء‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬فتأتيك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تحتسب‭.‬