الوحدة الوطنية

| د. عبدالله الحواج

قد‭ ‬يكون‭ ‬الحديث‭ ‬مُعادًا‭ ‬لكنه‭ ‬ضروري،‭ ‬ربما‭ ‬يصبح‭ ‬التكرار‭ ‬محل‭ ‬نظر‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬القضية‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬لذلك‭ ‬يشدد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محفل‭ ‬وكل‭ ‬اجتماع‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تماسك‭ ‬جبهتنا‭ ‬الداخلية،‭ ‬ودعم‭ ‬أساسيات‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتوطيد‭ ‬أواصر‭ ‬المحبة‭ ‬والاستقرار‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد‭.‬

المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬والمناسك‭ ‬العقائدية‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬شعبنا‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منصة‭ ‬اختبار،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬الممارسات‭ ‬المؤمنة‭ ‬بتماسك‭ ‬أمتنا،‭ ‬وتعاضد‭ ‬لحمتنا،‭ ‬وتكاتف‭ ‬بني‭ ‬جلدتنا‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬مؤهلين‭ ‬باستمرار؛‭ ‬لكي‭ ‬نكون‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬التعايش‭ ‬والسلام‭.‬

التنوع‭ ‬العرقي‭ ‬يثري‭ ‬الأوطان‭ ‬والتعددية‭ ‬الفكرية‭ ‬وتلك‭ ‬المنغمسة‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬متباينة‭ ‬وعقائد‭ ‬مختلفة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬فسيفساء‭ ‬الجغرافيا‭ ‬لوحة‭ ‬جميلة‭ ‬يساهم‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬نوع‭ ‬بما‭ ‬تيسر‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬توارثها‭ ‬أو‭ ‬اكتسبها،‭ ‬وهي‭ ‬النهضة‭ ‬حين‭ ‬تستتر‭ ‬في‭ ‬معطف‭ ‬الخجل‭ ‬المعطاء،‭ ‬وهي‭ ‬سلاسة‭ ‬القول‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬علم‭ ‬الكلام‭ ‬مدخلًا‭ ‬لعلم‭ ‬الكتابة‭.‬

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أصوليات‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬منها،‭ ‬وعن‭ ‬استكشافات‭ ‬تفرض‭ ‬قوانين‭ ‬اللحظة‭ ‬سلامة‭ ‬مقصدها‭ ‬كل‭ ‬حين،‭ ‬فإن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬شعبها‭ ‬ونشأ‭ ‬وترعرع‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬وطن‭ ‬يحترم‭ ‬الآخر،‭ ‬فكان‭ ‬التعليم‭ ‬صنوانه‭ ‬وصولجانه‭ ‬وعموده‭ ‬الفقري،‭ ‬وكانت‭ ‬التجارة‭ ‬وجهته،‭ ‬والصيرفة‭ ‬مهنته،‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬أمله‭ ‬في‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬عمليات‭ ‬الإحلال‭ ‬والاستبدال‭ ‬بالسلاسة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬توارثت‭ ‬فيها‭ ‬الأجيال‭ ‬حضارات‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد،‭ ‬ومهارات‭ ‬الأولين‭ ‬النبغاء‭.‬

إن‭ ‬حديث‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬لممثلي‭ ‬المآتم‭ ‬الحسينية‭ ‬ينمُّ‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬بصيرة،‭ ‬وعن‭ ‬إيمان‭ ‬بأن‭ ‬قوتنا‭ ‬في‭ ‬وحدتنا،‭ ‬وبقاءنا‭ ‬في‭ ‬تماسكنا،‭ ‬ونهضتنا‭ ‬في‭ ‬التفافنا‭ ‬حول‭ ‬كلمة‭ ‬سواء‭ ‬مهما‭ ‬باعدت‭ ‬بيننا‭ ‬الأقدار،‭ ‬والتمسنا‭ ‬لها‭ ‬الأعذار‭.‬

لقد‭ ‬نجحت‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬قواعد‭ ‬التعايش‭ ‬الجميل‭ ‬بين‭ ‬إنسان‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬وتفوقت‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬تتشدق‭ ‬بقوميات‭ ‬زالت،‭ ‬وآثار‭ ‬اندثرت،‭ ‬لكننا‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬لم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬وفاء‭ ‬الإنسان‭ ‬لأخيه‭ ‬الإنسان،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية،‭ ‬حكومية‭ ‬وخاصة،‭ ‬الطرفان‭ ‬شقَّي‭ ‬رحى‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬اقتصاد‭ ‬متنوع،‭ ‬والطرفان‭ ‬جانبان‭ ‬مصير‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬تنموية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصلها‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬أو‭ ‬تمييز‭ ‬إحداها‭ ‬عن‭ ‬الآخرى،‭ ‬أو‭ ‬إقصاء‭ ‬طرف‭ ‬منهما‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬وحيد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬منازع‭.‬

إن‭ ‬الطير‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬التحليق‭ ‬إلا‭ ‬بجناحين،‭ ‬والتعليم‭ ‬كطير‭ ‬محلق‭ ‬بوعي‭ ‬الأمة‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬الإقلاع‭ ‬بسلام‭ ‬إلا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬العدالة‭ ‬الفائقة‭ ‬والعناية‭ ‬المركزة‭ ‬موزعة‭ ‬بالتساوي‭ ‬على‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬القطاعين‭ ‬والحكومة‭ ‬هي‭ ‬المنظمة‭ ‬للوائح‭ ‬والنظم‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬ضوئها‭ ‬كل‭ ‬قطاع‭.‬

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬نرى‭ ‬المخاض،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬عسيرًا،‭ ‬حيث‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬مسئولًا‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬وأن‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬هكذا‭ ‬مدللًا‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬والحكومة؛‭ ‬لأنه‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬وحده‭.‬

النظرة‭ ‬الشمولية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اقتصادات‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بتلك‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬التردي‭ ‬لاقتصادات‭ ‬واعدة،‭ ‬وإلى‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬لمؤسسات‭ ‬بذلت‭ ‬الغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬النهوض‭ ‬بمكنونات‭ ‬أمتها،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أخرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬والممارسات،‭ ‬فتأخر‭ ‬معها‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وأي‭ ‬شيء‭.‬

نحن‭ ‬نؤمن‭ ‬بأن‭ ‬قيادتنا‭ ‬المؤمنة‭ ‬والواعية‭ ‬بالأدوار‭ ‬الطليعية،‭ ‬بل‭ ‬والمصيرية‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬قطاع‭ ‬مصرفي‭ ‬لا‭ ‬يشق‭ ‬له‭ ‬غبار،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬التعليمية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬السبق‭ ‬الملحمي،‭ ‬والتواجد‭ ‬المستنير‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬المنطقة‭ ‬تعاني،‭ ‬بل‭ ‬وبلدان‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

إننا‭ ‬لا‭ ‬نطلب‭ ‬المستحيل‭ ‬عندما‭ ‬نتمنى‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬مساواة‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬الإمكان،‭ ‬وعدالة‭ ‬ناجزة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وسرعة‭ ‬في‭ ‬التلبية‭ ‬لمصلحة‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭.‬