زبدة القول

أنا ومن بعدي الطوفان

| د. بثينة خليفة قاسم

أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان‭ ‬مقولة‭ ‬فرنسية‭ ‬الأصل،‭ ‬قالتها‭ ‬عشيقة‭ ‬لويس‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬لكل‭ ‬الأنانيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬سوى‭ ‬أنفسهم‭ ‬ومصالحهم‭ ‬الشخصية‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬اقتضى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عداهم‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم‭ ‬أو‭ ‬يأخذه‭ ‬الطوفان،‭ ‬فهم‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا‭ ‬وهم‭ ‬مركز‭ ‬الكون‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يمروا‭ ‬ولو‭ ‬فوق‭ ‬جماجم‭ ‬غيرهم،‭ ‬وعندما‭ ‬يصل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأنانيون‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬اليأس‭ ‬فلهم‭ ‬أن‭ ‬يهدموا‭ ‬الكون‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬البشر‭.‬

أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان‭ ‬أبشع‭ ‬وصف‭ ‬لأبشع‭ ‬عقيدة‭ ‬عرفها‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬وهي‭ ‬عقيدة‭ ‬إبليس‭ ‬الذي‭ ‬استخدم‭ ‬الأنا‭ ‬الهدامة‭ ‬وقال‭ ‬أنا‭ ‬خير‭ ‬منه،‭ ‬خلقتني‭ ‬من‭ ‬نار،‭ ‬وخلقته‭ ‬من‭ ‬طين،‭ ‬أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان‭ ‬عقيدة‭ ‬الهدامين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬نافع‭ ‬أو‭ ‬جميل‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬بعدهم،‭ ‬وهم‭ ‬بذلك‭ ‬بعيدون‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الفطرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬السليمة،‭ ‬وبعيدون‭ ‬عن‭ ‬مبادئ‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التعمير‭ ‬والبناء‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬القيامة‭ ‬حين‭ ‬تزلزل‭ ‬الأرض‭ ‬زلزالها،‭ ‬مبادئ‭ ‬الدين‭ ‬التي‭ ‬تقول‭: ‬“إذا‭ ‬قامت‭ ‬الساعة‭ ‬وفي‭ ‬يد‭ ‬أحدكم‭ ‬فسيلة‭ ‬فليغرسها‭ ‬

إن‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يغرسها”‭.‬

أصحاب‭ ‬عقيدة‭ ‬أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان‭ ‬عندما‭ ‬يمسكون‭ ‬الدفة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬كبير‭ ‬أو‭ ‬صغير‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬نهاية‭ ‬درامية‭ ‬محزنة،‭ ‬وقد‭ ‬يأخذ‭ ‬الطوفان‭ ‬الجميع‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الأنانيون‭ ‬أصحاب‭ ‬ذلك‭ ‬المبدأ‭ ‬البشع،‭ ‬فعندما‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الهدام‭ ‬مديرا‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬ما‭ ‬تجده‭ ‬يسير‭ ‬بتلك‭ ‬المؤسسة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬ويوصلها‭ ‬إلى‭ ‬الخراب‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬غيره‭ ‬للقيادة،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بشيء‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬سوى‭ ‬بنفسه‭ ‬المريضة،‭ ‬ولا‭ ‬ينقل‭ ‬خبرته‭ ‬لأحد‭ ‬وكأنه‭ ‬كائن‭ ‬استثنائي‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬الأقدار‭ ‬بمثله‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬يدير‭ ‬دولة‭ ‬فإنه‭ ‬يفعل‭ ‬أيضا‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬مدير‭ ‬المؤسسة‭ ‬الصغيرة‭ ‬فتجده‭ ‬متصلبا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لا‭ ‬يستمع‭ ‬لأحد‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬ما‭ ‬تتطلبه‭ ‬دولته،‭ ‬ولا‭ ‬يعترف‭ ‬بالتطور‭ ‬الطبيعي‭ ‬للكون‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬من‭ ‬مرونة‭ ‬ضرورية‭ ‬ولا‭ ‬يعترف‭ ‬حتى‭ ‬بالخطر‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يحوطه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭. ‬ولو‭ ‬نظرنا‭ ‬لكل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أتاها‭ ‬الطوفان‭ ‬وانجرفت‭ ‬وضاعت‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الممسكين‭ ‬بدفتها‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬عقيدة‭ ‬“أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان”‭.‬