سوالف

احترموا‭ ‬ميول‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬يقرأ

| أسامة الماجد

دخلت‭ ‬مكتبة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬أعجبني،‭ ‬وبينما‭ ‬كنت‭ ‬أطوف‭ ‬وأحدق‭ ‬في‭ ‬الرفوف‭ ‬شاهدت‭ ‬طفلا،‭ ‬“8‭ ‬أو‭ ‬9‭ ‬سنوات”،‭ ‬وكان‭ ‬يبدو‭ ‬عليه‭ ‬الانزعاج‭ ‬من‭ ‬شقيقه‭ ‬أو‭ ‬قريبه‭ ‬بخصوص‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬له،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬واضحا‭ ‬من‭ ‬حركاته،‭ ‬فشقيقه‭ ‬كان‭ ‬يختار‭ ‬له‭ ‬عشوائيا‭ ‬ويرغمه‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬القصة،‭ ‬والطفل‭ ‬كان‭ ‬يرفض‭ ‬ويقوم‭ ‬بحركات‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬رضاه‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬الآخرين‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقرأه‭ ‬ويطالعه،‭ ‬سمحت‭ ‬لنفسي‭ ‬بالتدخل‭ ‬وقلت‭ ‬لشقيقه‭ ‬اتركه‭ ‬يختار‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬الأطفال،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬عنده‭ ‬ميول‭ ‬لنوع‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬القصص،‭ ‬ابتسم‭ ‬شقيقه‭ ‬وقال‭ ‬“مشكلته‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬شيبي،‭ ‬يقول‭ ‬يبي‭ ‬قصة‭ ‬ولين‭ ‬يبته‭ ‬المكتبة‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬يختار”‭.‬

قلت‭ ‬له،‭ ‬اتركه‭ ‬لوحده‭ ‬يتصفح‭ ‬القصص‭ ‬والكتب‭ ‬ويقلبها‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬ستشرق‭ ‬شمس‭ ‬اختياره،‭ ‬وبالفعل‭ ‬تركه‭ ‬لوحده‭ ‬وتنحى‭ ‬جانبا‭ ‬وأخذ‭ ‬الطفل‭ ‬يبعثر‭ ‬القصص‭ ‬ويغوص‭ ‬في‭ ‬بطونها،‭ ‬حر‭ ‬وحيد‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬أحد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون،‭ ‬فمن‭ ‬الخطأ‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬رغبة‭ ‬الطفل‭ ‬وميوله‭ ‬عندما‭ ‬تشعر‭ ‬بأن‭ ‬لديه‭ ‬موهبة‭ ‬القراءة،‭ ‬فالكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬الكبير‭ ‬مكسيم‭ ‬غوركي‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بتوجيه‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬يكتبون‭ ‬للأطفال‭ ‬بل‭ ‬التفت‭ ‬إلى‭ ‬الأطفال‭ ‬أنفسهم‭ ‬وسألهم‭ ‬رأيهم‭ ‬فيما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكتب،‭ ‬ففي‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1933‭ ‬نشرت‭ ‬صحف‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬كلها‭ ‬تقريبا‭ ‬رسالة‭ ‬وجهها‭ ‬مكسيم‭ ‬غوركي‭ ‬إلى‭ ‬تلاميذ‭ ‬المدارس‭ ‬والرواد،‭ ‬طلب‭ ‬فيها‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يكتبوا‭ ‬إليه‭ ‬عما‭ ‬ينتظرونه‭ ‬من‭ ‬الدار‭ ‬الجديدة‭ ‬لنشر‭ ‬أدب‭ ‬الأطفال‭ ‬وعما‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬وعن‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬يفضلون‭ ‬الاطلاع‭ ‬عليها،‭ ‬فتدفقت‭ ‬الردود‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أصقاع‭ ‬البلاد،‭ ‬آلاف‭ ‬الرسائل‭ ‬خربشها‭ ‬أطفال‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬انتزعوها‭ ‬من‭ ‬كراريسهم‭ ‬ووقعوها‭ ‬بأسمائهم،‭ ‬أو‭ ‬كتبوها‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة‭ ‬بعد‭ ‬المسودة،‭ ‬وأرفق‭ ‬بعض‭ ‬الأطفال‭ ‬رسائلهم‭ ‬بحكايات‭ ‬ألفوها‭ ‬أو‭ ‬أشعار‭ ‬نظموها‭ ‬أو‭ ‬رسوم‭ ‬خططوها‭ ‬أو‭ ‬صورهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬وسجل‭ ‬البعض‭ ‬قائمة‭ ‬بالأفلام‭ ‬التي‭ ‬شاهدها‭.‬

إن‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يفهمون‭ ‬روح‭ ‬الطفل‭ ‬سيرون‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬فورا‭ ‬أنها‭ ‬تعكس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬غريب‭ ‬نفسية‭ ‬القراء‭ ‬الصغار،‭ ‬وسيجدون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬لذلك‭ ‬النفاق‭ ‬الذي‭ ‬نعهده‭ ‬في‭ ‬رسائل‭ ‬الراشدين،‭ ‬بل‭ ‬سيجدون‭ ‬صراحة‭ ‬تساعدهم‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬جمهور‭ ‬الأطفال‭ ‬القراء‭ ‬وأذواقهم‭ ‬واهتماماتهم‭.‬