ثقافة... وبس

| زهير توفيقي

الثقافة‭ ‬سلوك‭ ‬اجتماعي‭ ‬ومعيار‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية،‭ ‬وتعد‭ ‬مفهوما‭ ‬مركزيا‭ ‬في‭ ‬الأنثروبولوجيا،‭ ‬يشمل‭ ‬نطاق‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬والثقافة‭ ‬أنواع،‭ ‬فهناك‭ ‬ثقافة‭ ‬أو‭ ‬إتيكيت‭ ‬للمأكل‭ ‬والملبس‭ ‬والحوار‭ ‬والفكر‭ ‬والتعليم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬تلك‭ ‬الثقافات‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬لذا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الشعوب‭.‬

مناسبة‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة،‭ ‬أنني‭ ‬لاحظت‭ ‬ظاهرة‭ ‬غريبة‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬فنجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والعائلات‭ ‬يشتكون‭ ‬من‭ ‬الغلاء‭ ‬وشح‭ ‬الرواتب‭ ‬والوضع‭ ‬الصعب‭ ‬لتلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشية،‭ ‬بالطبع‭ ‬أنا‭ ‬أضم‭ ‬صوتي‭ ‬إلى‭ ‬صوتهم‭ ‬وأجزم‭ ‬بأن‭ ‬نظام‭ ‬الرواتب‭ ‬المتبع‭ ‬عندنا‭ ‬ليس‭ ‬جيدا،‭ ‬فأسعار‭ ‬جميع‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬والرسوم‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬والراتب‭ ‬مكانك‭ ‬سر،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬موضوع‭ ‬المقال‭!‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬فن‭ ‬إدارة‭ ‬المصروفات‭ ‬أو‭ ‬اتباع‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأمثل‭ ‬لذلك،‭ ‬فنجد‭ ‬الناس‭ ‬وخصوصا‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬تناول‭ ‬الغداء‭ ‬والعشاء‭ ‬وحتى‭ ‬الفطور‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭! ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬تناول‭ ‬الوجبات‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬وحتى‭ ‬طريقة‭ ‬إسرافهم‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬الكميات‭ ‬التي‭ ‬يطلبونها‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬والمقاهي‭ ‬ومعظمهم‭ ‬لا‭ ‬يأكل‭ ‬حتى‭ ‬نصفها،‭ ‬بل‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬التقاط‭ ‬صور‭ ‬لنشرها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإنستغرام‭ ‬أو‭ ‬السناب‭ ‬شات‭! ‬

أتذكر‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬سنة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬مدرسة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الرسوم‭ ‬عالية‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬الالتحاق‭ ‬بتلك‭ ‬المدرسة‭ ‬إلا‭ ‬للميسورين‭ ‬أو‭ ‬بمن‭ ‬تتكفل‭ ‬عنهم‭ ‬مؤسساتهم‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬عملهم،‭ ‬فقد‭ ‬سألت‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬تلك‭ ‬المدرسة‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فكان‭ ‬الجواب‭ ‬بأن‭ ‬أي‭ ‬بحريني‭ ‬يستطيع‭ ‬ذلك‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬مصروفاته‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائه‭ ‬وأعطى‭ ‬مثالا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لا‭ ‬يتناولون‭ ‬وجبة‭ ‬الإفطار‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬بل‭ ‬يشترون‭ ‬وجبة‭ ‬إفطار‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬ويدفعون‭ ‬مبلغا‭ ‬باهظا‭! ‬لماذا؟

وهنا‭ ‬مربط‭ ‬الفرس‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المسائل‭ ‬الحياتية‭ ‬الضرورية‭ ‬جدا،‭ ‬قد‭ ‬يفهمني‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬بأنني‭ ‬أطلب‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يبخلوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬ولا‭ ‬يستمتعوا‭ ‬بما‭ ‬وهبنا‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬نعم،‭ ‬بالطبع‭ ‬لا،‭ ‬فأنا‭ ‬أطالب‭ ‬فقط‭ ‬بتقنين‭ ‬مصاريفنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬وصدقوني‭ ‬ستجدون‭ ‬النتيجة‭ ‬إيجابية‭ ‬جدا‭ ‬وسترون‭ ‬الفارق‭ ‬حتماً،‭ ‬لنقم‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬الجوهرية‭ ‬والأساسية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الهرولة‭ ‬وراء‭ ‬الكماليات،‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬الثقافة‭ ‬تصنع‭ ‬الفارق‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬