ستة على ستة

جونسون وماكرون وخداع الصورة

| عطا السيد الشعراوي

كنا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬الانحياز‭ ‬والتسرع‭ ‬والتطرف‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬صفات‭ ‬لصيقة‭ ‬بعالمنا‭ ‬الفضائي‭ ‬العربي،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بثقافة‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬معينة‭ ‬وتقف‭ ‬وراءها‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭.‬

فقد‭ ‬ضجت‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ومواقع‭ ‬تواصل‭ ‬اجتماعي‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬بتعليقات‭ ‬حادة‭ ‬وسلبية‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬تظهر‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬وهو‭ ‬يرفع‭ ‬قدمه‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬أمام‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬الإليزيه‭ ‬بباريس‭.‬

مصور‭ ‬هذه‭ ‬اللقطة‭ ‬الخاطفة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التعليقات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬بتصديرها‭ ‬للجمهور‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتفسيرها‭ ‬سلبيا‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬عن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬المثير‭ ‬للجدل،‭ ‬فراح‭ ‬الكثيرون‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬جونسون‭ ‬تعمد‭ ‬“إهانة”‭ ‬ماكرون‭.‬

المصور‭ ‬مدفوع‭ ‬بفضول‭ ‬نحو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غريب‭ ‬وجاذب،‭ ‬فقد‭ ‬التقط‭ ‬هذه‭ ‬اللقطة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬خلفيتها‭ ‬أو‭ ‬سياقها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يرفق‭ ‬أي‭ ‬توضيح‭ ‬لها‭ ‬يعين‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الصحيح،‭ ‬إنما‭ ‬تركه‭ ‬لتخيلاته‭ ‬وشطحاته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬افتراضي‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬ويعج‭ ‬بالفوضى‭ ‬والعشوائية‭ ‬والسباق‭ ‬المحموم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مألوف‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬والأقوال‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬حازت‭ ‬هذه‭ ‬اللقطة‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التعليقات‭ ‬والآراء‭ ‬والصفحات‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتعد‭ ‬لحظات‭ ‬معدودة،‭ ‬ورغم‭ ‬تبيان‭ ‬حقيقتها‭ ‬بأن‭ ‬ماكرون‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬جونسون‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬الطاولة،‭ ‬وإمكانية‭ ‬استخدامها‭ ‬لإراحة‭ ‬القدم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬جونسون‭ ‬تجربته‭ ‬بمزاح‭ ‬وسعادة‭ ‬من‭ ‬الرجلين‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬إهانة‭ ‬من‭ ‬أحدهما‭ ‬للآخر‭.‬

لكن‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬الحوادث‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬تفرد‭ ‬تغطية‭ ‬واسعة‭ ‬للجريمة‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬المتهم‭ ‬فيها‭ ‬بالتفصيل‭ ‬الممل‭ ‬وأحيانا‭ ‬المسيء‭ ‬للمتهم،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تثبت‭ ‬براءته‭ ‬فإنها‭ ‬تكتفي‭ ‬بمجرد‭ ‬سطور‭ ‬قليلة‭ ‬لنشر‭ ‬خبر‭ ‬البراءة‭ ‬وكأنها‭ ‬غير‭ ‬سعيدة‭ ‬بتلك‭ ‬البراءة،‭ ‬فإن‭ ‬التفسير‭ ‬الصحيح‭ ‬للصورة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬جونسون‭ ‬وماكرون‭ ‬كان‭ ‬مصيره‭ ‬التجاهل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجمهور‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التفسير‭ ‬لكي‭ ‬تستمر‭ ‬التعليقات‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭.‬