المتأسلمون... أفيون الشعوب العربية

| بدور عدنان

من‭ ‬أهم‭ ‬مقولات‭ ‬عرّاب‭ ‬الاشتراكية‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬الدين‭ ‬أفيون‭ ‬الشعوب‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬يقوم‭ ‬محل‭ ‬الأفيون‭ ‬في‭ ‬التخدير‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭. ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬مسيحي‭ ‬وعانى‭ ‬والده‭ ‬من‭ ‬إرهاصات‭ ‬التمييز‭ ‬والقمع‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الدين،‭ ‬حيث‭ ‬اضطر‭ ‬والده‭ ‬لتغيير‭ ‬ديانته‭ ‬من‭ ‬اليهودية‭ ‬إلى‭ ‬المسيحية‭ ‬مُكرهاً‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬واضطهاد‭.‬

في‭ ‬حُجة‭ ‬دفاعي‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬أدفع‭ ‬بأن‭ ‬ماركس‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬غربي‭ ‬ولم‭ ‬يعِ‭ ‬سماحة‭ ‬وانفتاح‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬يحث‭ ‬على‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬والتفكير،‭ ‬بل‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬حكم‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬واستغلال‭ ‬الرأسماليين‭.‬

لكن‭ ‬للأسف‭ ‬بات‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬حالياً‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬الإسلام‭ ‬بشيء،‭ ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬وصفة‭ ‬ماركس‭ ‬بأن‭ ‬المتأسلمين‭ ‬تصدروا‭ ‬مجالس‭ ‬الوعيظ‭ ‬واعتلوا‭ ‬منصات‭ ‬الحديث‭ ‬ليتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬دين‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬للإسلام‭ ‬بصلة،‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬والتحريض‭ ‬والإرهاب‭ ‬ما‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬مضمون‭ ‬وجوهر‭ ‬الإسلام،‭ ‬مغررين‭ ‬بذلك‭ ‬جموعا‭ ‬غفيرة‭ ‬عن‭ ‬أصل‭ ‬وفحوى‭ ‬الإسلام‭ ‬السمح‭ ‬والمعتدل،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬المتبصرين‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬خدمة‭ ‬لمصالح‭ ‬شخصية‭ ‬وأجندات‭ ‬خارجية،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬قادة‭ ‬الفتنة‭ ‬والطابور‭ ‬الخامس‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬من‭ ‬المتأسلمين‭.‬

نعي‭ ‬ذلك‭ ‬الواقع‭ ‬وتحاول‭ ‬النُخب‭ ‬محاربته‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المقالات‭ ‬والمنشورات،‭ ‬لكن‭ ‬بمقارنة‭ ‬بسيطة‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬ذلك‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬عن‭ ‬الطاعة‭ ‬الإلهية‭ ‬المتجسدة‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬الواعظ،‭ ‬ليتفكر‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬كتبها‭ ‬بشر،‭ ‬لذلك‭ ‬وجب‭ ‬توحيد‭ ‬الجهود‭ ‬بين‭ ‬فعاليات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمثقفين‭ ‬وبين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬لدحض‭ ‬أفكارهم،‭ ‬خصوصاً‭ ‬الإرهابية‭ ‬منها،‭ ‬باستهداف‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية‭ ‬بمناهج‭ ‬توعوية‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الندوات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭.‬

أُدرك‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬غير‭ ‬مُحبب‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين،‭ ‬كونه‭ ‬حرية‭ ‬شخصية‭ ‬وعلاقة‭ ‬روحانية‭ ‬بين‭ ‬العبد‭ ‬وربه،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬ابتعد‭ ‬أصحاب‭ ‬الدين‭ ‬الوسطي‭ ‬والقويم‭ ‬قام‭ ‬المأدلجون‭-‬المتأسلمون‭ ‬بإمساك‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬ليطوعوها‭ ‬بحسب‭ ‬مصالحهم‭ ‬وأجنداتهم‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬التدخل‭ ‬لإعادة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬الصحيح‭.‬