ومضة قلم

الراتب... أين يذهب؟

| محمد المحفوظ

في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الصعبة‭ ‬يتساءل‭ ‬الكثيرون‭ ‬أين‭ ‬يذهب‭ ‬الراتب؟‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موضع‭ ‬خلاف‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬الإيجارات‭ ‬تلتهم‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الدخل‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تقديرها‭ ‬بالثلث،‭ ‬وهنا‭ ‬يتساوى‭ ‬من‭ ‬انتفعوا‭ ‬بوحدات‭ ‬إسكانية‭ ‬مع‭ ‬المتعاقدين‭ ‬بإيجارات‭ ‬خاصة‭.‬

في‭ ‬الأيام‭ ‬الفائتة‭ ‬تداولت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬رسالة‭ ‬مؤداها‭ ‬أنّ‭ ‬أحوال‭ ‬المواطن‭ ‬لن‭ ‬تتغير‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬مارس‭ ‬رقابة‭ ‬ذاتية‭ ‬على‭ ‬مصروفاته،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬يتحملها‭ ‬هو،‭ ‬وهنا‭ ‬يتبادر‭ ‬السؤال‭ ‬كيف؟‭ ‬والإجابة‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الفرد‭ ‬بين‭ ‬خيارين‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬أية‭ ‬سلعة،‭ ‬فإنّ‭ ‬البعض‭ ‬يفضل‭ ‬الأعلى‭ ‬سعرا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬اختيار‭ ‬الأقل،‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬شخص‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬عطر‭ ‬بثمانين‭ ‬دينارا،‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬إمكانياته،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬آخر‭ ‬بثمانية‭ ‬دنانير،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إرهاق‭ ‬دخله‭ ‬الشهري‭ ‬وربما‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭!‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬أنّ‭ ‬البعض‭ ‬أصبح‭ ‬مهووسا‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“الماركات”،‭ ‬وهذه‭ ‬قضية‭ ‬باتت‭ ‬تستعصي‭ ‬على‭ ‬الحل،‭ ‬بل‭ ‬الداء‭ ‬العضال‭ ‬الذي‭ ‬غرس‭ ‬أنيابه‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بالإمكان‭ ‬الفكاك‭ ‬من‭ ‬أسره،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يلقي‭ ‬اللائمة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تدني‭ ‬وبؤس‭ ‬الحالة‭ ‬المعيشية‭ ‬لأغلبية‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬تعاني‭ ‬خللا‭ ‬رهيبا‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الصرف‭ ‬وغيابا‭ ‬تاما‭ ‬لمفهوم‭ ‬الادخار،‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بوسع‭ ‬أحد‭ ‬القفز‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬تجاهلها‭ ‬أنّ‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المصروفات‭ ‬توجه‭ ‬غالبا‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الاستهلاكي،‭ ‬وخصوصا‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬تتعدى‭ ‬أحيانا‭ ‬حاجة‭ ‬الأسرة،‭ ‬ويمكننا‭ ‬الإشارة‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬كشفت‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬العائلة‭ ‬العربية‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬بطونهم،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الطعام‭ ‬وحده‭ ‬45‭ % ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الدخل‭!‬

ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نغفل‭ ‬أمرا‭ ‬يبدو‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬وهو‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬خيار‭ ‬السفر‭ ‬لدى‭ ‬غالبية‭ ‬الأسر‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للنقاش‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬وضع‭ ‬الأسر،‭ ‬متجاهلين‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يلقي‭ ‬ظلاله‭ ‬القاتمة‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭. ‬ثم‭ ‬إنّ‭ ‬هناك‭ ‬انعداما‭ ‬تاما‭ ‬للوعي‭ ‬بالاستثمار‭ ‬طويل‭ ‬المدى‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وإنّ‭ ‬التخطيط‭ ‬لمستقبل‭ ‬الأبناء‭ ‬كتوفير‭ ‬أقساط‭ ‬الجامعة‭ ‬ليس‭ ‬واردا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬