لماذا اختلفت الثورة السودانية عن غيرها؟

| بدور عدنان

لم‭ ‬تكن‭ ‬ثورة‭ ‬السودان‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭-‬الأفريقي،‭ ‬إذ‭ ‬عانت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬ثورات‭ ‬أطاحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القادة،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬قبلها،‭ ‬فانقسمت‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬سيطرت‭ ‬فيها‭ ‬القوى‭ ‬المتأسلمة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬تولى‭ ‬فيها‭ ‬العسكر‭ ‬الحكم،‭ ‬وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬نشب‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تعم‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والانقسام‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬لتذهب‭ ‬ثورات‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطمح‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬وأوضاع‭ ‬أفضل‭ ‬هباء‭ ‬منثورا،‭ ‬فحالهم‭ ‬لم‭ ‬يتحسن‭ ‬عما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬بسبب‭ ‬الخلاف‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والتي‭ ‬استثمرته‭ ‬أطراف‭ ‬خارجية‭ ‬ذات‭ ‬أجندات‭ ‬فقامت‭ ‬بتجنيد‭ ‬قوى‭ ‬وأحزاب،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬مؤسسات‭ ‬وطنية‭ ‬لصالحها‭.‬

السودان‭ ‬أبى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حلقة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬المشؤومة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬وعي‭ ‬شعبه‭ ‬وإدراكه‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مصلحته‭ ‬الوطنية‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬الإمساك‭ ‬بزمام‭ ‬الأمور‭ ‬وقيادة‭ ‬وطنه‭ ‬لبر‭ ‬الأمان،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬ثارت‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬والمجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬أطاح‭ ‬به،‭ ‬التفوا‭ ‬حول‭ ‬نقطة‭ ‬اتفاق‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬تغليب‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الفئوية‭ ‬والحزبية‭. ‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تسطيره‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬الماضي‭ ‬بتوقيع‭ ‬وثيقة‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬الحرية‭ ‬والتغيير،‭ ‬الممثلة‭ ‬للمعارضة،‭ ‬والمجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الانتقالي،‭ ‬وسط‭ ‬مباركة‭ ‬وحضور‭ ‬دولي‭ ‬واسع،‭ ‬حيث‭ ‬نصت‭ ‬الوثيقة‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الانتقالي‭ ‬ليطوي‭ ‬السودان‭ ‬اليوم‭ ‬بإرادة‭ ‬أبنائه‭ ‬صفحة‭ ‬الاستبداد‭ ‬ويفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬الديمقراطي‭. ‬

تابعت‭ ‬باهتمام‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكسر‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬وتدحض‭ ‬المزاعم‭ ‬السلبية‭ ‬حول‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬كونه‭ ‬غير‭ ‬مهيأ‭ ‬لممارسة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬لكن‭ ‬السودان‭ ‬اليوم‭ ‬أثبت‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬ليبرهن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الصحيحة‭ ‬وذلك‭ ‬بتغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬القومية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬